الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 350 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      سورة قد أفلح المؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قال رب ارجعون .

                                                                                                                                                                                                                                      لا يخفى ما يسبق إلى الذهن فيه من رجوع الضمير إلى الرب ، والضمير بصيغة الجمع والرب جل وعلا واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : وهو أظهرها ، أن الواو لتعظيم المخاطب ، وهو الله تعني كما في قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      ألا فارحموني يا إله محمد فإن لم أكن أهلا فأنت له أهل

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      وإن شئت حرمت النساء سواكم     وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني : أن قوله : " رب " استغاثة به تعالى ، وقوله : " ارجعون " خطاب للملائكة ، ويستأنس لهذا الوجه بما ذكره ابن جرير عن ابن جريج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة : إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك إلى دار الدنيا ؟ فيقول : إلى دار الهموم والأحزان ؟ فيقول : بل قدموني إلى الله ، وأما الكفار فيقولون له : نرجعك ، فيقول : رب ارجعون .

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثالث : وهو قول المازني ، أنه جمع الضمير ليدل على التكرار فكأنه قال : رب ارجعني ارجعني . ولا يخلو هذا القول عندي من بعد ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون .

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآية الكريمة تدل على أنهم لا أنساب بينهم يومئذ ، وأنهم لا يتساءلون يوم [ ص: 351 ] القيامة ، وقد جاءت آيات أخر تدل على ثبوت الأنساب بينهم ، كقوله : يوم يفر المرء من أخيه الآية [ 80 ] ، وآيات أخرى تدل على أنهم يتساءلون كقوله تعالى : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ 37 \ 27 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب عن الأول : أن المراد بنفي الأنساب انقطاع فوائدها وآثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا ، من العواطف والنفع والصلات والتفاخر بالآباء لا نفي حقيقتها .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب عن الثاني من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن نفي السؤال بعد النفخة الأولى ، وقبل الثانية وإثباته بعدهما معا .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط ، وإثباته فيما عدا ذلك وهو عن السدي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أن السؤال المنفي سؤال خاص ، وهو سؤال بعضهم العفو من بعض فيما بينهم من الحقوق لقنوطهم من الإعطاء ، ولو كان المسؤول أبا أو ابنا أو أما أو زوجة ، ذكر هذه الأوجه الثلاثة أيضا صاحب الإتقان .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين .

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآية الكريمة تدل على أن الكفار يزعمون يوم القيامة أنهم ما لبثوا إلا يوما أو بعض يوم ، وقد جاءت آيات أخر يفهم منها خلاف ذلك ، كقوله تعالى : يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا [ 20 ] ، وقوله تعالى : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة [ 30 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب عن هذا بما دل عليه القرءان ، وذلك أن بعضهم يقول : لبثنا يوما أو بعض يوم [ 18 \ 19 ] . وبعضهم يقول : لبثنا ساعة . وبعضهم يقول : لبثنا عشرا .

                                                                                                                                                                                                                                      ووجه دلالة القرءان على هذا أنه بين أن أقواهم إدراكا وأرجحهم عقلا وأمثلهم طريقة ، هو من يقول : إن مدة لبثهم يوم ، وذلك قوله تعالى : إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما [ 20 \ 104 ] ، فدل ذلك على اختلاف أقوالهم في مدة لبثهم ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية