الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رقب ]

                                                          رقب : في أسماء الله تعالى : الرقيب : وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء ، فعيل بمعنى فاعل . وفي الحديث : ارقبوا محمدا في أهل بيته أي : احفظوه فيهم . وفي الحديث : ما من نبي إلا أعطي سبعة نجباء رقباء أي : حفظة يكونون معه . والرقيب : الحفيظ . ورقبه يرقبه رقبة ورقبانا بالكسر فيهما ورقوبا ، وترقبه وارتقبه : انتظره ورصده . والترقب : الانتظار وكذلك الارتقاب . وقوله تعالى : ولم ترقب قولي معناه لم تنتظر قولي . والترقب : تنظر وتوقع شيء . ورقيب الجيش : طليعتهم . ورقيب الرجل : خلفه من ولده أو عشيرته . والرقيب : المنتظر . وارتقب أشرف وعلا . والمرقب والمرقبة : الموضع المشرف ، يرتفع عليه الرقيب ، وما أوفيت عليه من علم أو رابية لتنظر من بعد . وارتقب المكان : علا وأشرف ، قال :


                                                          بالجد حيث ارتقبت معزاؤه



                                                          أي : أشرفت ، الجد هنا : الجدد من الأرض . شمر : المرقبة هي المنظرة في رأس جبل أو حصن ، وجمعه مراقب . وقال أبو عمرو : المراقب : ما ارتفع من الأرض وأنشد :


                                                          ومرقبة كالزج أشرفت رأسها     أقلب طرفي في فضاء عريض



                                                          ورقب الشيء يرقبه ، وراقبه مراقبة ورقابا ، حرسه حكاه ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          يراقب النجم رقاب الحوت



                                                          يصف رفيقا له ، يقول : يرتقب النجم حرصا على الرحيل كحرص الحوت على الماء ينظر النجم حرصا على طلوعه ، حتى يطلع فيرتحل . والرقبة التحفظ والفرق . ورقيب القوم : حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم . والرقيب : الحارس الحافظ . والرقابة : الرجل الوغد الذي يرقب للقوم رحلهم إذا غابوا . والرقيب : الموكل بالضريب . ورقيب القداح : الأمين على الضريب ؛ وقيل : هو أمين أصحاب الميسر ، قال كعب بن زهير :


                                                          لها خلف أذنابها أزمل     مكان الرقيب من الياسرينا



                                                          وقيل : هو الرجل الذي يقوم خلف الحرضة في الميسر ، ومعناه كله سواء ، والجمع رقباء . التهذيب ، ويقال : الرقيب اسم السهم الثالث من قداح الميسر ، وأنشد :


                                                          كمقاعد الرقباء للض     رباء أيديهم نواهد



                                                          قال اللحياني : وفيه ثلاثة فروض ، وله غنم ثلاثة أنصباء إن فاز ، وعليه غرم ثلاثة أنصباء إن لم يفز . وفي حديث حفر زمزم : فغار سهم الله ذي الرقيب ، الرقيب : الثالث من سهام الميسر . والرقيب : النجم الذي في المشرق ، يراقب الغارب . ومنازل القمر ، كل واحد منها رقيب لصاحبه ، كلما طلع منها واحد سقط آخر مثل الثريا رقيبها الإكليل إذا طلعت الثريا عشاء غاب الإكليل وإذا طلع الإكليل عشاء غابت الثريا . ورقيب النجم : الذي يغيب بطلوعه ، مثل الثريا رقيبها الإكليل وأنشد الفراء :


                                                          أحقا عباد الله أن لست لاقيا     بثينة أو يلقى الثريا رقيبها



                                                          وقال المنذري : سمعت أبا الهيثم يقول : الإكليل رأس العقرب . ويقال : إن رقيب الثريا من الأنواء الإكليل ; لأنه يطلع أبدا حتى تغيب ؛ كما أن الغفر رقيب الشرطين ، لا يطلع الغفر حتى يغيب الشرطان ، وكما أن الزبانيين رقيب البطين ، لا يطلع أحدهما إلا بسقوط صاحبه وغييوبته ، فلا يلقى أحدهما صاحبه ، وكذلك الشولة رقيب الهقعة ، والنعائم رقيب الهنعة ، والبلدة رقيب الذراع . وإنما قيل للعيوق : رقيب الثريا ، تشبيها برقيب الميسر ، ولذلك قال أبو ذؤيب :


                                                          فوردن والعيوق مقعد رابئ الض     رباء خلف النجم لا يتتلع



                                                          النجم هاهنا : الثريا ، اسم علم غالب . والرقيب : نجم من نجوم [ ص: 200 ] المطر ، يراقب نجما آخر . وراقب الله تعالى في أمره أي : خافه . وابن الرقيب : فرس الزبرقان بن بدر ، كأنه كان يراقب الخيل أن تسبقه . والرقبى : أن يعطي الإنسان لإنسان دارا أو أرضا فأيهما مات ، رجع ذلك المال إلى ورثته ، وهي من المراقبة سميت بذلك ; لأن كل واحد منهما يراقب موت صاحبه . وقيل : الرقبى : أن تجعل المنزل لفلان يسكنه ، فإن مات ، سكنه فلان ، فكل واحد منهما يرقب موت صاحبه . وقد أرقبه الرقبى ، وقال اللحياني : أرقبه الدار : جعلها له رقبى ، ولعقبه بعده بمنزلة الوقف . وفي الصحاح : أرقبته دارا أو أرضا إذا أعطيته إياها فكانت للباقي منكما ، وقلت : إن مت قبلك ، فهي لك ، وإن مت قبلي ، فهي لي ، والاسم الرقبى . وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم في العمرى والرقبى : أنها لمن أعمرها ، ولمن أرقبها ولورثتهما من بعدهما . قال أبو عبيد : حدثني ابن علية ، عن حجاج أنه سأل أبا الزبير عن الرقبى فقال : هو أن يقول الرجل للرجل وقد وهب له دارا : إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك . قال أبو عبيد : وأصل الرقبى من المراقبة ، كأن كل واحد منهما إنما يرقب موت صاحبه ؛ ألا ترى أنه يقول : إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك ؟ فهذا ينبئك عن المراقبة . قال : والذي كانوا يريدون من هذا أن يكون الرجل يريد أن يتفضل على صاحبه بالشيء ، فيستمتع به ما دام حيا فإذا مات الموهوب له لم يصل إلى ورثته منه شيء ، فجاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بنقض ذلك أنه من ملك شيئا حياته ، فهو لورثته من بعده . قال ابن الأثير : وهي فعلى من المراقبة . والفقهاء فيها مختلفون : منهم من يجعلها تمليكا ، ومنهم من يجعلها كالعارية ، قال : وجاء في هذا الباب آثار كثيرة ، وهي أصل لكل من وهب هبة ، واشترط فيها شرطا ، وأن الهبة جائزة ، وأن الشرط باطل . ويقال : أرقبت فلانا دارا ، وأعمرته دارا إذا أعطيته إياها بهذا الشرط ، فهو مرقب ، وأنا مرقب . ويقال : ورث فلان مالا عن رقبة أي : عن كلالة ، لم يرثه عن آبائه وورث مجدا عن رقبة إذا لم يكن آباؤه أمجادا ، قال الكميت :


                                                          كان السدى والندى مجدا مكرمة     تلك المكارم لم يورثن عن رقب



                                                          أي : ورثها عن دنى فدنى من آبائه ولم يرثها من وراء وراء . والمراقبة في عروض المضارع ، والمقتضب أن يكون الجزء مرة مفاعيل ومرة مفاعلن سمي بذلك ; لأن آخر السبب الذي في آخر الجزء وهو النون من مفاعيلن لا يثبت مع آخر السبب الذي قبله ، وهو الياء في مفاعيلن وليست بمعاقبة ; لأن المراقبة لا يثبت فيها الجزآن المتراقبان ، وإنما هو من المراقبة المتقدمة الذكر ، والمعاقبة يجتمع فيها المتعاقبان . التهذيب ، الليث : المراقبة في آخر الشعر عند التجزئة بين حرفين ، وهو أن يسقط أحدهما ، ويثبت الآخر ولا يسقطان معا ، ولا يثبتان جميعا ، وهو في مفاعيلن التي للمضارع لا يجوز أن يتم ، إنما هو مفاعيل أو مفاعلن . والرقيب : ضرب من الحيات ، كأنه يرقب من يعض ، وفي التهذيب : ضرب من الحيات خبيث ، والجمع رقب ورقيبات . والرقيب والرقوب من النساء : التي تراقب بعلها ليموت فترثه . والرقوب من الإبل : التي لا تدنو إلى الحوض من الزحام ، وذلك لكرمها ، سميت بذلك ; لأنها ترقب الإبل فإذا فرغن من شربهن ، شربت هي . والرقوب من الإبل والنساء : التي لا يبقى لها ولد ، قال عبيد :


                                                          كأنها شيخة رقوب



                                                          وقيل : هي التي مات ولدها ، وكذلك الرجل ، قال الشاعر :


                                                          فلم ير خلق قبلنا مثل أمنا     ولا كأبينا عاش وهو رقوب



                                                          وفي الحديث : أنه قال : ما تعدون الرقوب فيكم ؟ قالوا : الذي لا يبقى له ولد قال : بل الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا . قال أبو عبيد : وكذلك معناه في كلامهم ، إنما هو على فقد الأولاد ، قال صخر الغي :


                                                          فما إن وجد مقلات رقوب     بواحدها إذا يغزو تضيف



                                                          قال أبو عبيد : فكان مذهبه عندهم على مصائب الدنيا ، فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فقدهم في الآخرة ؛ وليس هذا بخلاف ذلك في المعنى ، ولكنه تحويل الموضع إلى غيره ، نحو حديثه الآخر : إن المحروب من حرب دينه ، وليس هذا أن يكون من سلب ماله ، ليس بمحروب . قال ابن الأثير : الرقوب في اللغة : الرجل والمرأة إذا لم يعش لهما ولد ; لأنه يرقب موته ويرصده خوفا عليه ، فنقله النبي صلى الله عليه وسلم إلى الذي لم يقدم من الولد شيئا أي : يموت قبله تعريفا ; لأن الأجر والثواب لمن قدم شيئا من الولد ، وأن الاعتداد به أعظم ، والنفع به أكثر ، وأن فقدهم وإن كان في الدنيا عظيما ، فإن فقد الأجر والثواب على الصبر والتسليم للقضاء في الآخرة أعظم ، وأن المسلم ولده في الحقيقة من قدمه واحتسبه ، ومن لم يرزق ذلك ، فهوكالذي لا ولد له ولم يقله صلى الله عليه وسلم إبطالا لتفسيره اللغوي ، إنما هو كقوله : إنما المحروب من حرب دينه ، ليس على أن من أخذ ماله غير محروب . والرقبة : العنق : وقيل : أعلاها وقيل : مؤخر أصل العنق ، والجمع رقب ورقبات ، ورقاب وأرقب ، الأخيرة على طرح الزائد ؛ حكاه ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          ترد بنا في سمل لم ينضب     منها عرضنات عظام الأرقب



                                                          وجعله أبو ذؤيب للنحل ، فقال :


                                                          تظل على الثمراء منها جوارس     مراضيع صهب الريش زغب رقابها



                                                          والرقب : غلظ الرقبة ، رقب رقبا . وهو أرقب : بين الرقب أي : غليظ الرقبة ، ورقباني أيضا على غير قياس . والأرقب والرقباني : الغليظ الرقبة قال سيبويه : هو من نادر معدول النسب ، والعرب تلقب العجم برقاب المزاود ; لأنهم حمر . ويقال للأمة الرقبانية : رقباء لا تنعت به الحرة . وقال ابن دريد : يقال رجل رقبان ورقباني أيضا ، ولا يقال للمرأة رقبانية . والمرقب : الجلد الذي سلخ من قبل رأسه [ ص: 201 ] ورقبته ; قال سيبويه : وإن سميت برقبة ، لم تضف إليه إلا على القياس . ورقبه : طرح الحبل في رقبته . والرقبة : المملوك . وأعتق رقبة أي : نسمة . وفك رقبة : أطلق أسيرا ، سميت الجملة باسم العضو لشرفها . التهذيب : وقوله تعالى في آية الصدقات : والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب قال أهل التفسير في الرقاب إنهم المكاتبون ، ولا يبتدأ منه مملوك فيعتق . وفي حديث قسم الصدقات : وفي الرقاب ، يريد المكاتبين من العبيد ، يعطون نصيبا من الزكاة ، يفكون به رقابهم ، ويدفعونه إلى مواليهم . الليث يقال : أعتق الله رقبته ، ولا يقال : أعتق الله عنقه . وفي الحديث : كأنما أعتق رقبة . قال ابن الأثير : وقد تكررت الأحاديث في ذكر الرقبة ، وعتقها وتحريرها وفكها ، وهي في الأصل العنق ، فجعلت كناية عن جميع ذات الإنسان ، تسمية للشيء ببعضه ، فإذا قال : أعتق رقبة ، فكأنه قال : أعتق عبدا أو أمة ، ومنه قولهم : دينه في رقبته . وفي حديث ابن سيرين : لنا رقاب الأرض ، أي : نفس الأرض ، يعني ما كان من أرض الخراج فهو للمسلمين ، ليس لأصحابه الذين كانوا فيه قبل الإسلام شيء ، لأنها فتحت عنوة . وفي حديث بلال : والركائب المناخة ، لك رقابهن وما عليهن أي : ذواتهن وأحمالهن ؛ وفي حديث الخيل : ثم لم ينس حق الله في رقابها وظهورها ، أراد بحق رقابها الإحسان إليها ، وبحق ظهورها الحمل عليها . وذو الرقيبة : أحد شعراء العرب ، وهو لقبمالك القشيري ، لأنه كان أوقص ، وهو الذي أسر حاجب بن زرارة يوم جبلة . والأشعر الرقباني : لقب رجل من فرسان العرب . وفي حديث عيينة بن حصن ذكر ذي الرقيبة وهو بفتح الراء وكسر القاف جبل بخيبر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية