الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رعي ]

                                                          رعي : الرعي : مصدر رعى الكلأ ونحوه يرعى رعيا . والراعي يرعى الماشية أي : يحوطها ويحفظها . والماشية ترعى أي : ترتفع وتأكل . وراعي الماشية : حافظها ، صفة غالبة غلبة الاسم ، والجمع رعاة مثل قاض وقضاة ، ورعاء مثل جائع وجياع ، ورعيان مثل شاب وشبان ، كسروه تكسير الأسماء كحاجر وحجران ; لأنها صفة غالبة وليس في الكلام اسم على فاعل يعتور عليه فعلة وفعال إلا هذا ، وقولهم آس وأساة وإساء . وفي حديث الإيمان . حتى ترى رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . وفي حديث عمر : كأنه راعي غنم أي : في الجفاء والبذاذة . وفي حديث دريد قال يوم حنين لمالك بن عوف : إنما هو راعي ضأن ما له وللحرب ، كأنه يستجهله ويقصر به عن رتبة من يقود الجيوش ويسوسها ، وأما قول ثعلبة بن عبيد العدوي في صفة نخل :


                                                          تبيت رعاها لا تخاف نزاعها وإن لم تقيد بالقيود وبالأبض



                                                          فإن أبا حنيفة ذهب إلى أن رعى جمع رعاة ; لأن رعاة وإن كان جمعا لفظه لفظ الواحد ، فصار كمهاة ومهى ، إلا أن مهاة واحد وهو ماء الفحل في رحم الناقة ، ورعاة جمع ، وأما قول أحيحة :


                                                          وتصبح حيث يبيت الرعاء     وإن ضيعوها وإن أهملوا



                                                          إنما عنى بالرعاء هنا حفظة النخل لأنه إنما هو في صفة النخيل ، يقول : تصبح النخل في أماكنها لا تنتشر كما تنتشر الإبل المهملة . والرعية الماشية الراعية أو المرعية ، قال :


                                                          ثم مطرنا مطرة رويه     فنبت البقل ولا رعيه



                                                          وفي التنزيل : حتى يصدر الرعاء الرعاء : جمع الراعي . قال [ ص: 180 ] الأزهري : وأكثر ما يقال رعاة للولاة ، والرعيان لراعي الغنم . ويقال للنعم : هي ترعى وترتعي . وقرأ بعض القراء : معنا غدا نرتعي ونلعب ، وهو نفتعل من الرعي ، وقيل : معنى نرتعي أي : يرعى بعضنا بعضا . وفلان يرعى على أبيه أي : يرعى غنمه . الفراء يقال إنه لترعية مال إذا كان يصلح المال على يده ويجيد رعية الإبل . قال ابن سيده : رجل ترعية وترعي ، بغير هاء ، نادر ، قال تأبط شرا :


                                                          ولست بترعي طويل عشاؤه     يؤنفها مستأنف النبت مبهل



                                                          وكذلك ترعية وترعية - مشددة الياء - وترعاية وترعاية بهذا المعنى صناعته ، وصناعة آبائه الرعاية وهو مثال لم يذكره سيبويه . والترعية : الحسن الالتماس والارتياد ، للكلإ للماشية ، وأنشد الأزهري للفراء :


                                                          ودار حفاظ قد نزلنا وغيرها     أحب إلى الترعية الشنآن



                                                          قال ابن بري : ومنه قول حكيم بن معية :


                                                          يتبعها ترعية فيه خضع     في كفه زيغ وفي الرسغ فدع



                                                          والرعاية : حرفة الراعي ، والمسوس مرعي ، قال أبو قيس بن الأسلت :


                                                          ليس قطا مثل قطي ولا ال     مرعي في الأقوام كالراعي



                                                          ورعت الماشية ترعى رعيا ورعاية وارتعت وترعت ، قال كثير عزة :


                                                          وما أم خشف ترعى به     أراكا عميما ودوحا ظليلا



                                                          ورعاها وأرعاها ، يقال : أرعى الله المواشي إذا أنبت لها ما ترعاه . وفي التنزيل العزيز : كلوا وارعوا أنعامكم وقال الشاعر :


                                                          كأنها ظبية تعطوا إلى فنن     تأكل من طيب والله يرعيها



                                                          أي : ينبت لها ما ترعى والاسم الرعية عن اللحياني . وأرعاه المكان : جعله له مرعى ، قال القطامي :


                                                          فمن يك أرعاه الحمى أخواته     فما لي من أخت عوان ولا بكر



                                                          وإبل راعية ، والجمع الرواعي . ورعى البعير الكلأ بنفسه رعيا ، وارتعى مثله ، وأنشد ابن بري شاهدا عليه :


                                                          كالظبية البكر الفريدة ترتعي     في أرضها وفراتها وعهادها
                                                          خضبت لها عقد البراق جبينها     من عركها علجانها وعرادها



                                                          والرعي - بكسر الراء - : الكلأ نفسه ، والجمع أرعاء . والمرعى : كالرعي . وفي التنزيل : والذي أخرج المرعى وفي المثل : مرعى ولا كالسعدان ، قال ابن سيده : وقول أبي العيال :


                                                          أفطيم هل تدرين كم من متلف     جاوزت لا مرعى ولا مسكون



                                                          عندي أن المرعى هاهنا في موضع المرعي لمقابلته إياه بقوله ولا مسكون . قال : وقد يكون المرعى الرعي أي : ذو رعي . قال الأزهري : أفادني المنذري يقال لا تقتن فتاة ولا مرعاة فإن لكل بغاة ، يقول : المرعى حيث كان يطلب ، والفتاة حيثما كانت تخطب ، لكل فتاة خاطب ، ولكل مرعى طالب ، قال : وأنشدني محمد بن إسحاق :


                                                          ولن تعاين مرعى ناضرا أنفا     إلا وجدت به آثار مأكول



                                                          وأرعت الأرض : كثر رعيها . والرعايا والرعاوية : الماشية المرعية تكون للسوقة والسلطان ، والأرعاوية للسلطان خاصة وهي التي عليها وسومه ورسومه . والرعاوى والرعاوى - بفتح الراء وضمها - : الإبل التي ترعى حوالى القوم وديارهم ; لأنها الإبل التي يعتمل عليها قالت امرأة من العرب تعاتب زوجها :


                                                          تمششتني حتى إذا ما تركتني     كنضو الرعاوى قلت إني ذاهب



                                                          قال شمر : لم أسمع الرعاوى بهذا المعنى إلا هاهنا . وقال أبو عمرو : الأرعوة بلغة أزد شنوءة نير الفدان يحترث بها . والراعي : الوالي . والرعية : العامة . ورعى الأمير رعيته رعاية ورعيت الإبل أرعاها رعيا ورعاه يرعاه رعيا ورعاية : حفظه . وكل من ولي أمر قوم فهو راعيهم وهم رعيته ، فعيلة بمعنى مفعول . وقد استرعاه إياهم : استحفظه واسترعيته الشيء فرعاه . وفي المثل : من استرعى الذئب فقد ظلم أي : من ائتمن خائنا فقد وضع الأمانة في غير موضعها . ورعى النجوم رعيا وراعاها : راقبها وانتظر مغيبها ، قالت الخنساء :


                                                          أرعى النجوم وما كلفت رعيتها     وتارة أتغشى فضل أطماري



                                                          وراعى أمره : حفظه وترقبه . والمراعاة : المناظرة والمراقبة . يقال : راعيت فلانا مراعاة ورعاء إذا راقبته وتأملت فعله . وراعيت الأمر : نظرت إلام يصير . وراعيته : لاحظته . وراعيته : من مراعاة الحقوق . ويقال : رعيت عليه حرمته رعاية . وفلان يراعي أمر فلان أي : ينظر إلى ما يصير إليه أمره . وأرعى عليه : أبقى ، قال أبو دهبل : أنشده أبو عمرو بن العلاء :


                                                          إن كان هذا السحر منك فلا     ترعي علي وجددي سحرا



                                                          والإرعاء : الإبقاء على أخيك ، قال ذو الإصبع :


                                                          بغى بعضهم بعضا     فلم يرعوا على بعض



                                                          والرعوى : اسم من الإرعاء وهو الإبقاء ، ومنه قول ابن قيس :


                                                          إن تكن للإله في هذه الأم     مة رعوى يعد إليك النعيم



                                                          وأرعني سمعك وراعني سمعك أي : استمع إلي . وأرعى إليه : [ ص: 181 ] استمع . وأرعيت فلانا سمعي إذا استمعت إلى ما يقول وأصغيت إليه . ويقال : فلان لا يرعي إلى قول أحد أي : لا يلتفت إلى أحد . وقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا قال الفراء : هو من الإرعاء والمراعاة ، وقال الأخفش : هو فاعلنا من المراعاة على معنى أرعنا سمعك ، ولكن الياء ذهبت للأمر ، وقرئ راعنا بالتنوين على إعمال القول فيه كأنه قال لا تقولوا حمقا ولا تقولوا هجرا ، وهو من الرعونة ، وقد تقدم . وقال أبو إسحاق : قيل فيه ثلاثة أقوال ، قال بعضهم : معناه أرعنا سمعك ، وقيل : أرعنا سمعك حتى نفهمك وتفهم عنا ، قال : وهي قراءة أهل المدينة ، ويصدقها قراءة أبي بن كعب : لا تقولوا راعونا ، والعرب تقول أرعنا سمعك وراعنا سمعك ، وقد مر معنى ما أراد القوم بقول راعنا في ترجمة رعن ، وقيل : كان المسلمون يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - : راعنا ، وكانت اليهود تساب بهذه الكلمة بينها ، وكانوا يسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفوسهم فلما سمعوا هذه الكلمة اغتنموا أن يظهروا سبه بلفظ يسمع ولا يلحقهم في ظاهره شيء ، فأظهر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين على ذلك ونهى عن الكلمة ، وقال قوم : راعنا من المراعاة والمكافأة ، وأمروا أن يخاطبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتعزيز والتوقير ، أي : لا تقولوا راعنا أي : كافئنا في المقال كما يقول بعضهم لبعض . وفي مصحف ابن مسعود - رضي الله عنه - : ( راعونا ) . ورعى عهده وحقه : حفظه ، والاسم من كل ذلك الرعيا والرعوى . قال ابن سيده : وأرى ثعلبا حكى الرعوى - بضم الراء - وبالواو وهو مما قلبت ياؤه واوا للتصريف وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها وللفرق أيضا بين الاسم والصفة ، وكذلك ما كان مثله كالبقوى والفتوى والتقوى والشروى والثنوى ، والبقوى والبقيا اسمان يوضعان موضع الإبقاء . والرعوى والرعيا : من رعاية الحفاظ . ويقال : ارعوى فلان عن الجهل يرعوي ارعواء حسنا ورعوى حسنة ، وهو نزوعه وحسن رجوعه . قال ابن سيده : الرعوى والرعيا النزوع عن الجهل وحسن الرجوع عنه . وارعوى يرعوي أي : كف عن الأمور . وفي الحديث : شر الناس رجل يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه أي : لا ينكف ولا ينزجر ، من رعا يرعو إذا كف عن الأمور . ويقال : فلان حسن الرعوة والرعوة والرعوة والرعوى والارعواء ، وقد ارعوى عن القبيح ، وتقديره افعول ووزنه افعلل ، وإنما لم يدغم لسكون الياء ، والاسم الرعيا - بالضم - والرعوى - بالفتح - مثل البقيا والبقوى . وفي حديث ابن عباس : إذا كانت عندك شهادة فسئلت عنها فأخبر بها ولا تقل حتى آتي الأمير لعله يرجع أو يرعوي قال أبو عبيد : الارعواء الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له ، وأنشد :


                                                          إذا قلت عن طول التنائي قد ارعوى     أبى حبها إلا بقاء على هجر



                                                          قال الأزهري : ارعوى جاء نادرا ، قال : ولا أعلم في المعتلات مثله كأنهم بنوه على الرعوى وهو الإبقاء . وفي الحديث : إلا إرعاء عليه أي : إبقاء ورفقا . يقال : أرعيت عليه ، من المراعاة والملاحظة . قال الأزهري : وللرعوى ثلاثة معان : أحدها الرعوى اسم من الإبقاء ، والرعوى رعاية الحفاظ للعهد ، والرعوى حسن المراجعة والنزوع عن الجهل . وقال شمر : تكون المراعاة من الرعي مع آخر ، يقال : هذه إبل تراعي الوحش أي : ترعى معها . ويقال : الحمار يراعي الحمر أي : يرعى معها ، قال أبو ذؤيب :


                                                          من وحش حوضى يراعي الصيد منتبذا     كأنه كوكب في الجو منجرد



                                                          والمراعاة : المحافظة والإبقاء على الشيء . والإرعاء : الإبقاء . قال أبو سعيد : يقال أمر كذا أرفق بي وأرعى علي ويقال : أرعيت عليه إذا أبقيت عليه ورحمته . وفي الحديث نساء قريش خير نساء أحناه على طفل في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده ، هو من المراعاة الحفظ والرفق وتخفيف الكلف والأثقال عنه ، وذات يده كناية عما يملك من مال وغيره . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : لا يعطى من الغنائم شيء حتى تقسم إلا لراع أو دليل ، الراعي هنا : عين القوم على العدو ، من الرعاية الحفظ . وفي حديث لقمان بن عاد : إذا رعى القوم غفل ، يريد إذا تحافظ القوم لشيء يخافونه غفل ولم يرعهم . وفي الحديث : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته أي : حافظ مؤتمن . والرعية : كل من شمله حفظ الراعي ونظره . وقول عمر - رضي الله عنه - : ورع اللص ولا تراعه ، فسره ثعلب فقال : معناه كفه أن يأخذ متاعك ولا تشهد عليه ، ويروى عن ابن سيرين أنه قال : ما كانوا يمسكون عن اللص إذ دخل دار أحدهم تأثما . والراعية : مقدمة الشيب . يقال : رأى فلان راعية الشيب ورواعي الشيب أول ما يظهر منه . والرعي : أرض فيها حجارة ناتئة تمنع اللؤمة أن تجري . وراعية الأرض : ضرب من الجنادب . والراعي . لقب عبيد الله بن الحصين النميري الشاعر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية