الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رضي ]

                                                          رضي : الرضا ، مقصور : ضد السخط . وفي حديث الدعاء : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، وفي رواية : بدأ بالمعافاة ثم بالرضا ، قال ابن الأثير : إنما ابتدأ بالمعافاة من العقوبة ; لأنها من صفات الأفعال كالإماتة والإحياء ، والرضا والسخط من صفات القلب ، وصفات الأفعال أدنى رتبة من صفات الذات ، فبدأ بالأدنى مترقيا إلى الأعلى ، ثم لما ازداد يقينا وارتقى ترك الصفات وقصر نظره على الذات فقال : أعوذ بك منك ، ثم لما ازداد قربا استحيا معه من الاستعاذة على بساط القرب فالتجأ إلى الثناء فقال لا أحصي ثناء عليك ، ثم علم أن ذلك قصور فقال : أنت كما أثنيت على نفسك ، قال : وأما على الرواية فإنما قدم الاستعاذة بالرضا على السخط ; لأن المعافاة من العقوبة تحصل بحصول الرضا ، وإنما ذكرها لأن دلالة الأولى عليها دلالة تضمن ، فأراد أن يدل عليها دلالة مطابقة فكنى عنها أولا ثم صرح بها ثانيا ، ولأن الراضي قد يعاقب للمصلحة أو لاستيفاء حق الغير . وتثنية الرضا رضوان ورضيان ، الأولى على الأصل والأخرى على المعاقبة وكأن هذا إنما ثني على إرادة الجنس . الجوهري : وسمع الكسائي رضوان وحموان في تثنية الرضا والحمى قال : والوجه حميان ورضيان ، فمن العرب من يقولهما بالياء على الأصل ، والواو أكثر ، وقد رضي يرضى رضا ورضا ورضوانا ورضوانا ، الأخيرة عن سيبويه ونظره بشكران ورجحان ، ومرضاة ، فهو راض من قوم رضاة ، ورضي من قوم أرضياء ورضاة ، الأخيرة عن اللحياني قال ابن سيده : وهي نادرة ، [ ص: 169 ] أعني تكسير رضي على رضاة ، قال : وعندي أنه جمع راض لا غير ، ورض من قوم رضين ، عن اللحياني ، قال سيبويه : وقالوا رضيوا كما قالوا غزيا ، أسكن العين ولو كسرها لحذف ; لأنه لا يلتقي ساكنان حيث كانت لا تدخلها الضمة وقبلها كسرة ، وراعوا كسرة الضاد في الأصل فلذلك أقروها ياء ، وهي مع ذلك كله نادرة . ورضيت عنك وعليك رضى ، مقصور : مصدر محض ، والاسم الرضاء ، ممدود عن الأخفش قال القحيف العقيلي :


                                                          إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها     ولا تنبو سيوف بني قشير
                                                          ولا تمضي الأسنة في صفاها



                                                          عداه بعلى ; لأنه إذا رضيت عنه أحبته وأقبلت عليه ، فلذلك استعمل على بمعنى عن . قال ابن جني : وكان أبو علي يستحسن قول الكسائي في هذا ; لأنه لما كان " رضيت " ضد سخطت عدى رضيت بعلى ، حملا للشيء على نقيضه كما يحمل على نظيره ، قال : وقد سلك سيبويه هذه الطريق في الصادر كثيرا فقال : قالوا كذا كما قالوا كذا ، وأحدهما ضد الآخر . وقوله - عز وجل - : رضي الله عنهم ورضوا عنه تأويله أن الله تعالى رضي عنهم أفعالهم ورضوا عنه ما جازاهم به . وأرضاه : أعطاه ما يرضى به . وترضاه طلب رضاه ، قال :


                                                          إذا العجوز غضبت فطلق     ولا ترضاها ولا تملق



                                                          أثبت الألف من ترضاها في موضع الجزم تشبيها بالياء في قوله :


                                                          ألم يأتيك والأنباء تنمي     بما لاقت لبون بني زياد



                                                          قال ابن سيده : وإنما فعل ذلك لئلا يقول : ترضها فيلحق الجزء خبن ، على أن بعضهم قد رواه على الوجه الأعرف : ولا ترضها ولا تملق ، على احتمال الخبن . والرضي : المرضي . ابن الأعرابي : الرضي المطيع والرضي الضامن . ورضيت الشيء وارتضيته ، فهو مرضي ، وقد قالوا مرضو فجاءوا به على الأصل . ابن سيده : ورضيه لذلك الأمر ، فهو مرضو ومرضي . وارتضاه : رآه له أهلا . ورجل رضى من قوم رضى : قنعان مرضي ، وصفوا بالمصدر ، قال زهير :


                                                          هم بيننا فهم رضى وهم عدل



                                                          وصف بالمصدر الذي في معنى مفعول كما وصف بالمصدر الذي في معنى فاعل في عدل وخصم . الصحاح : الرضوان الرضا ، وكذلك الرضوان - بالضم - والمرضاة مثله . غيره : المرضاة والرضوان مصدران ، والقراء كلهم قرءوا الرضوان - بكسر الراء - إلا ما روي عن عاصم أنه قرأ رضوان ويقال : هو مرضي ومنهم من يقول مرضو ; لأن الرضا في الأصل من بنات الواو ، وقيل في عيشة راضية أي : مرضية أي : ذات رضى كقولهم هم ناصب . ويقال : رضيت معيشته ، على ما لم يسم فاعله ، ولا يقال رضيت . ويقال : رضيت به صاحبا ، وربما قالوا رضيت عليه في معنى رضيت به وعنه . وأرضيته عني ورضيته - بالتشديد - أيضا فرضي . وترضيته أي : أرضيته بعد جهد . واسترضيته فأرضاني . وراضاني مراضاة ورضاء فرضوته أرضوه - بالضم - إذا غلبته فيه لأنه من الواو ، وفي المحكم : فرضوته كنت أشد رضا منه ، ولا يمد الرضا إلا على ذلك . قال الجوهري : وإنما قالوا رضيت عنه رضا ، وإن كان من الواو ، كما قالوا شبع شبعا ، وقالوا رضي لمكان الكسر وحقه رضو ، قال أبو منصور : إذا جعلت الرضى بمعنى المراضاة فهو ممدود ، وإذا جعلته مصدر رضي يرضى رضى ، فهو مقصور . قال سيبويه : وقالوا عيشة راضية على النسب أي : ذات رضا . ورضوى : جبل بالمدينة ، والنسبة إليه رضوي ، قال ابن سيده : ورضوى اسم جبل بعينه ، وبه سميت المرأة ، قال : ولا أحمله على باب تقوى ; لأنه ليس في الكلام ( رض ي ) فيكون هذا محمولا عليه . التهذيب : ورضوى اسم امرأة ، قال الأخطل :


                                                          عفا واسط من آل رضوى فنبتل     فمجتمع المجرين فالصبر أجمل



                                                          ومن أسماء النساء رضيا بوزن الثريا ، وتكبيرهما رضوى وثروى . ورضوى : فرس سعد بن شجاع والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية