الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رضع ]

                                                          رضع : رضع الصبي وغيره يرضع مثال ضرب يضرب ، لغة نجدية ، ورضع مثال سمع يرضع رضعا ورضعا ورضعا ورضاعا ورضاعا ورضاعة ورضاعة ، فهو راضع والجمع رضع ، وجمع السلامة في الأخيرة أكثر على ما ذهب إليه سيبويه في هذا البناء من الصفة ، قال الأصمعي : أخبرني عيسى بن عمر أنه سمع العرب تنشد هذا البيت لابن همام السلولي على هذه اللغة : [ ص: 166 ]

                                                          وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعل



                                                          وارتضع : كرضع ، قال ابن أحمر :


                                                          إني رأيت بني سهم وعزهم     كالعنز تعطف روقيها فترتضع



                                                          يريد ترضع نفسها ، يصفهم باللؤم والعنز تفعل ذلك . تقول منه : ارتضعت العنز أي : شربت لبن نفسها . وفي التنزيل : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الأمر كما تقول : حسبك درهم ، ولفظه الخبر ومعناه معنى الأمر كما تقول : اكتف بدرهم ، وكذلك معنى الآية : لترضع الوالدات . وقوله ( عز وجل ) : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم أي : تطلبوا مرضعة لأولادكم . وفي الحديث حين ذكر الإمارة فقال : نعمت المرضعة وبئست الفاطمة ، ضرب المرضعة مثلا للإمارة وما توصله إلى صاحبها من الأجلاب يعني المنافع ، والفاطمة مثلا للموت الذي يهدم عليه لذاته ويقطع منافعها ، قال ابن بري : وتقول استرضعت المرأة ولدي أي : طلبت منها أن ترضعه ، قال الله تعالى : أن تسترضعوا أولادكم والمفعول الثاني محذوف أن تسترضعوا أولادكم مراضع ، والمحذوف على الحقيقة المفعول الأول ; لأن المرضعة هي الفاعلة بالولد ، ومنه : فلان المسترضع في بني تميم ، وحكى الحوفي في البرهان في أحد القولين أنه متعد إلى مفعولين ، والقول الآخر أن يكون على حذف اللام أي : لأولادكم . وفي حديث سويد بن غفلة : فإذا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يأخذ من راضع لبن ، أراد بالراضع ذات الدر واللبن ، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره ذات راضع ، فأما من غير حذف فالراضع الصغير هو بعد يرتضع ، ونهيه عن أخذها لأنها خيار المال ، ومن زائدة كما تقول لا تأكل من الحرام ، وقيل : هو أن يكون عند الرجل الشاة الواحدة أو اللقحة قد اتخذها للدر فلا يؤخذ منها شيء ، وتقول : هذا أخي من الرضاعة - بالفتح - وهذا رضيعي كما تقول هذا أكيلي ورسيلي . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : انظرن ما إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة ، الرضاعة - بالفتح والكسر - : الاسم من الإرضاع فأما من الرضاعة اللؤم فالفتح لا غير وتفسير الحديث أن الرضاع الذي يحرم النكاح إنما هو في الصغر عند جوع الطفل ، فأما في حال الكبر فلا يريد أن رضاع الكبير لا يحرم . قال الأزهري : الرضاع الذي يحرم رضاع الصبي لأنه يشبعه ويغذوه ويسكن جوعته ، فأما الكبير فرضاعه لا يحرم لأنه لا ينفعه من جوع ولا يغنيه من طعام ولا يغذوه اللبن كما يغذو الصغير الذي حياته به . قال الأزهري : وقرأت بخط شمر رب غلام يراضع ، قال : والمراضعة أن يرضع الطفل أمه وفي بطنها ولد . قال : ويقال لذلك الولد الذي في بطنها مراضع ويجيء نحيلا ضاويا سيء الغذاء . وراضع فلان ابنه أي : دفعه إلى الظئر ، قال رؤبة :


                                                          إن تميما لم يراضع مسبعا     ولم تلده أمه مقنعا



                                                          أي : ولدته مكشوف الأمر ليس عليه غطاء ، وأرضعته أمه . والرضيع المرضع . وراضعه مراضعة ورضاعا : رضع معه . والرضيع : المراضع ، والجمع رضعاء . وامرأة مرضع : ذات رضيع أو لبن رضاع ، قال امرؤ القيس :


                                                          فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع     فألهيتها عن ذي تمائم مغيل



                                                          والجمع مراضيع على ما ذهب إليه سيبويه في هذا النحو . وقال ثعلب : المرضعة التي ترضع ، وإن لم يكن لها ولد أو كان لها ولد . والمرضع : التي ليس معها ولد وقد يكون معها ولد . وقال مرة : إذا أدخل الهاء أراد الفعل وجعله نعتا ، وإذا لم يدخل الهاء أراد الاسم واستعار أبو ذؤيب المراضيع للنحل فقال :


                                                          تظل على الثمراء منها جوارس     مراضيع صهب الريش زغب رقابها



                                                          والرضع : صغار النحل ، واحدتها رضعة . وفي التنزيل : يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت اختلف النحويون في دخول الهاء في المرضعة فقال الفراء : المرضعة والمرضع التي معها صبي ترضعه ، قال : ولو قيل في الأم مرضع لأن الرضاع لا يكون إلا من الإناث كما قالوا امرأة حائض وطامث كان وجها ، قال : ولو قيل في التي معها صبي مرضعة كان صوابا ، وقال الأخفش : أدخل الهاء في المرضعة لأنه أراد - والله أعلم - الفعل ولو أراد الصفة لقال مرضع ، وقال أبو زيد : المرضعة التي ترضع وثديها في في ولدها ، وعليه قوله ( عز وجل ) : تذهل كل مرضعة قال : وكل مرضعة كل أم . قال : والمرضع التي دنا لها أن ترضع ولم ترضع بعد والمرضع : التي معها الصبي الرضيع . وقال الخليل : امرأة مرضع ذات رضيع كما يقال امرأة مطفل ذات طفل ، بلا هاء لأنك تصفها بفعل منها واقع أو لازم ، فإذا وصفتها بفعل هي تفعله قلت مفعلة كقوله تعالى : تذهل كل مرضعة عما أرضعت وصفها بالفعل فأدخل الهاء في نعتها ، ولو وصفها بأن معها رضيعا قال : كل مرضع . قال ابن بري : أما مرضع فهو على النسب أي : ذات رضيع كما تقول ظبية مشدن أي : ذات شادن ، وعليه قول امرئ القيس :


                                                          فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع



                                                          فهذا على النسب وليس جاريا على الفعل ، كما تقول : رجل دارع وتارس معه درع وترس ولا يقال منه درع ولا ترس ، فلذلك يقدر في مرضع أنه ليس بجار على الفعل ، وإن كان قد استعمل منه الفعل وقد يجيء مرضع على معنى ذات إرضاع أي : لها لبن وإن لم يكن لها رضيع ، وجمع المرضع مراضع قال سبحانه : وحرمنا عليه المراضع من قبل وقال الهذلي :


                                                          ويأوي إلى نسوة عطل     وشعث مراضيع مثل السعالي



                                                          والرضوعة : التي ترضع ولدها ، وخص أبو عبيد به الشاة . ورضع الرجل يرضع رضاعة ، فهو رضيع راضع أي : لئيم ، والجمع الراضعون . ولئيم راضع : يرضع الإبل والغنم من ضروعها بغير إناء [ ص: 167 ] من لؤمه إذا نزل به ضيف ، لئلا يسمع صوت الشخب فيطلب اللبن ، وقيل : هو الذي رضع اللؤم من ثدي أمه يريد أنه ولد في اللؤم ، وقيل : هو الذي يأكل خلالته شرها من لؤمه حتى لا يفوته شيء . ابن الأعرابي : الراضع والرضيع الخسيس من الأعراب الذي إذا نزل به الضيف رضع بفيه شاته لئلا يسمعه الضيف ، يقال منه : رضع يرضع رضاعة ، وقيل ذلك لكل لئيم إذا أرادوا توكيد لؤمه والمبالغة في ذمه كأنه كالشيء يطبع عليه ، والاسم الرضع والرضع ، وقيل : الراضع الذي يرضع الشاة أو الناقة قبل أن يحلبها من جشعه ، وقيل : الراضع الذي لا يمسك معه محلبا ، فإذا سئل اللبن اعتل بأنه لا محلب له ، وإذا أراد الشرب رضع حلوبته . وفي حديث أبي ميسرة - رضي الله عنه : لو رأيت رجلا يرضع فسخرت منه خشيت أن أكون مثله ، أي : يرضع الغنم من ضروعها ولا يحلب اللبن في الإناء للؤمه أي : لو عيرته بهذا لخشيت أن أبتلى به . وفي حديث ثقيف : أسلمها الرضاع وتركوا المصاع ، قال ابن الأثير : الرضاع جمع راضع وهو اللئيم ، سمي به لأنه للؤمه يرضع إبله أو غنمه لئلا يسمع صوت حلبه ، وقيل : لأنه يرضع الناس أي : يسألهم ، والمصاع : المضاربة بالسيف ، ومنه حديث سلمة - رضي الله عنه - :


                                                          خذها وأنا ابن الأكوع     واليوم يوم الرضع



                                                          جمع راضع كشاهد وشهد ، أي : خذ الرمية مني واليوم يوم هلاك اللئام ، ومنه رجز يروى لفاطمة رضي الله عنها :


                                                          ما بي من لؤم ولا رضاعه



                                                          والفعل منه رضع - بالضم - وأما الذي في حديث قس : رضيع أيهقان ، قال ابن الأثير : فعيل بمعنى مفعول ، يعني أن النعام في ذلك المكان ترتع هذا النبت وتمصه بمنزلة اللبن لشدة نعومته وكثرة مائه ، ويروى بالصاد المهملة وقد تقدم . والراضعتان : الثنيتان المتقدمتان اللتان يشرب عليهما اللبن وقيل : الرواضع ما نبت من أسنان الصبي ثم سقط في عهد الرضاع ، يقال : منه سقطت رواضعه ، وقيل : الرواضع ست من أعلى الفم وست من أسفله . والراضعة : كل سن تثغر . والرضوعة من الغنم : التي ترضع ، وقول جرير :


                                                          ويرضع من لاقى وإن ير مقعدا     يقود بأعمى فالفرزدق سائله



                                                          فسره ابن الأعرابي أن معناه يستعطيه ويطلب منه أي : لو رأى هذا لسأله ، وهذا لا يكون لأن المقعد لا يقدر أن يقوم فيقود الأعمى . والرضع : سفاد الطائر ، عن كراع ، والمعروف بالصاد المهملة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية