الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رشد ]

                                                          رشد : في أسماء الله تعالى الرشيد : هو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم أي : هداهم ودلهم عليها ، فعيل بمعنى مفعل ، وقيل : هو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سبيل السداد من غير إشارة مشير ولا تسديد مسدد . الرشد والرشد والرشاد : نقيض الغي . رشد الإنسان - بالفتح - يرشد رشدا - بالضم - ورشد - بالكسر - يرشد رشدا ورشادا ، فهو راشد ورشيد ، وهو نقيض الضلال ، إذا أصاب وجه الأمر والطريق . وفي الحديث : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، الراشد اسم فاعل من رشد يرشد رشدا وأرشدته أنا . يريد بالراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رحمة الله عليهم ورضوانه - وإن كان عاما في كل من سار سيرتهم من الأئمة . ورشد أمره : رشد فيه ، وقيل : إنما ينصب على توهم رشد أمره ، وإن لم يستعمل هكذا . ونظيره : غبنت رأيك وألمت بطنك ووفقت أمرك وبطرت عيشك وسفهت نفسك . وأرشده الله وأرشده إلى الأمر ورشده : هداه . واسترشده : طلب منه الرشد . ويقال : استرشد فلان لأمره إذا اهتدى له ، وأرشدته فلم يسترشد . وفي الحديث : وإرشاد الضال أي : هدايته الطريق وتعريفه . والرشدى : اسم للرشاد . وإذا أرشدك إنسان الطريق فقل : لا يعم عليك الرشد . قال أبو منصور : ومنهم من جعل رشد يرشد ورشد يرشد بمعنى واحد في الغي والضلال . والإرشاد : الهداية والدلالة . والرشدى : من الرشد ، وأنشد الأحمر :


                                                          لا نزل كذا أبدا ناعمين في الرشدى



                                                          ومثله : امرأة غيرى من الغيرة وحيرى من التحير . وقوله تعالى : ياقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد أي : أهدكم سبيل القصد سبيل الله وأخرجكم عن سبيل فرعون . والمراشد : المقاصد ، قال أسامة بن حبيب الهذلي :


                                                          توق أبا سهم ومن لم يكن له     من الله واق لم تصبه المراشد



                                                          وليس له واحد إنما هو من باب محاسن وملامح . والمراشد : مقاصد الطرق . والطريق الأرشد نحو الأقصد . وهو لرشدة ، وقد يفتح ، وهو نقيض زنية . وفي الحديث : من ادعى ولدا لغير رشدة فلا يرث ولا يورث . يقال : هذا ولد رشدة إذا كان لنكاح صحيح ، كما يقال في ضده : ولد زنية - بالكسر - فيهما ويقال - بالفتح - وهو أفصح اللغتين ، الفراء في كتاب المصادر : ولد فلان لغير رشدة وولد لغية ولزنية ، كلها بالفتح ، وقال الكسائي : يجوز لرشدة ولزنية ، قال : وهو اختيار ثعلب في كتاب الفصيح فأما غية فهو - بالفتح - . قال أبو زيد : قالوا هو لرشدة ولزنية - بفتح الراء والزاي - منهما ونحو ذلك ، قال الليث وأنشد :


                                                          لذي غية من أمه ولرشدة     فيغلبها فحل على النسل منجب



                                                          ويقال : يا رشدين بمعنى يا راشد ، قال ذو الرمة :


                                                          وكائن ترى من رشدة في كريهة     ومن غية يلقى عليه الشراشر



                                                          يقول : كم رشد لقيته فيما تكرهه وكم غي فيما تحبه وتهواه . وبنو رشدان : بطن من العرب كانوا يسمون بني غيان فأسماهم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني رشدان ، ورواه قوم بنو رشدان - بكسر الراء - وقال لرجل : ما اسمك ؟ فقال : غيان ، فقال : بل رشدان ، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - رشدان على هذه الصيغة ليحاكي به غيان ، قال ابن سيده : وهذا واسع كثير في كلام العرب يحافظون عليه ويدعون غيره إليه أعني أنهم قد يؤثرون المحاكاة والمناسبة بين الألفاظ تاركين لطريق القياس ، كقوله : ارجعن مأزورات غير مأجورات ، وكقولهم : عيناء حوراء من الحير العين ، وإنما هو الحور فآثروا قلب الواو ياء في الحور إتباعا للعين ، وكذلك قولهم : إني لآتيه بالغدايا والعشايا ، جمعوا الغداة على غدايا إتباعا للعشايا ، ولولا ذلك لم يجز تكسير فعلة على فعائل ، ولا تلتفتن إلى ما حكاه ابن الأعرابي من أن الغدايا جمع غدية فإنه لم يقله أحد غيره إنما الغدايا إتباع كما حكاه جميع أهل اللغة فإذا كانوا قد يفعلون مثل ذلك محتشمين من كسر القياس ، فأن يفعلوه فيما لا يكسر القياس أسوغ ، ألا تراهم يقولون : [ ص: 158 ] رأيت زيدا ، فيقال : من زيدا ، ومررت بزيد فيقال : من زيد ؟ ولا عذر في ذلك إلا محاكاة اللفظ ، ونظير مقابلة غيان برشدان ليوفق بين الصيغتين استجازتهم تعليق فعل على فاعل لا يليق به ذلك الفعل ، لتقدم تعليق فعل على فاعل يليق به ذلك الفعل ، وكل ذلك على سبيل المحاكاة ، كقوله تعالى : إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم والاستهزاء من الكفار حقيقة وتعليقه بالله - عز وجل - مجاز جل ربنا وتقدس عن الاستهزاء بل هو الحق ، ومنه الحق وكذلك قوله تعالى : يخادعون الله وهو خادعهم والمخادعة من هؤلاء فيما يخيل إليهم حقيقة وهي من الله سبحانه مجاز إنما الاستهزاء والخدع من الله - عز وجل - مكافأة لهم ، ومنه قول عمرو بن كلثوم :


                                                          ألا لا يجهلن أحد علينا     فنجهل فوق جهل الجاهلينا



                                                          أي : إنما نكافئهم على جهلهم كقوله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وهو باب واسع كبير . وكان قوم من العرب يسمون بني زنية فسماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ببني رشدة . والرشاد وحب الرشاد : نبت يقال له الثفاء ، قال أبو منصور : أهل العراق يقولون للحرف حب الرشاد يتطيرون من لفظ الحرف ; لأنه حرمان فيقولون حب الرشاد ، قال : وسمعت غير واحد من العرب يقول للحجر الذي يملأ الكف الرشادة ، وجمعها الرشاد ، قال : وهو صحيح . وراشد ومرشد ورشيد ورشد ورشاد : أسماء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية