الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رسل ]

                                                          رسل : الرسل : القطيع من كل شيء ، والجمع أرسال . والرسل : الإبل ، هكذا حكاه أبو عبيد من غير أن يصفها بشيء ، قال الأعشى :


                                                          يسقي رياضا لها قد أصبحت غرضا زورا تجانف عنها القود والرسل



                                                          والرسل : قطيع بعد قطيع . الجوهري : الرسل - بالتحريك - القطيع من الإبل والغنم ، قال الراجز :


                                                          أقول للذائد خوص برسل     إني أخاف النائبات بالأول



                                                          وقال لبيد :


                                                          وفتية كالرسل القماح



                                                          والجمع الأرسال ، قال الراجز :


                                                          يا ذائديها خوصا بأرسال     ولا تذوداها ذياد الضلال



                                                          ورسل الحوض الأدنى : ما بين عشر إلى خمس وعشرين ، يذكر ويؤنث . والرسل : قطيع من الإبل قدر عشر يرسل بعد قطيع . وأرسلوا إبلهم إلى الماء أرسالا أي : قطعا . واسترسل إذا قال أرسل إلي الإبل أرسالا . وجاءوا رسلة رسلة أي : جماعة جماعة ، وإذا أورد الرجل إبله متقطعة قيل أوردها أرسالا ، فإذا أوردها جماعة قيل أوردها عراكا . وفي الحديث أن الناس دخلوا عليه بعد موته أرسالا يصلون عليه أي : أفواجا ، وفرقا متقطعة ، بعضهم يتلو بعضا ، واحدهم رسل - بفتح الراء والسين . وفي حديث فيه ذكر السنة : ووقير كثير الرسل قليل الرسل ، كثير الرسل يعني : الذي يرسل منها إلى المرعى كثير ، أراد أنها كثيرة العدد قليلة اللبن ، فهي فعل بمعنى مفعل أي : أرسلها فهي مرسلة ، قال ابن الأثير : كذا فسره ابن قتيبة ، وقد فسره العذري فقال : كثير الرسل أي : شديد التفرق في طلب المرعى ، قال : وهو أشبه ; لأنه قد قال في أول الحديث مات الودي وهلك الهدي ، يعني الإبل ، فإذا هلكت الإبل مع صبرها وبقائها على الجدب كيف تسلم الغنم وتنمي حتى يكثر عددها ؟ قال : والوجه ما قاله العذري وأن الغنم تتفرق وتنتشر في طلب المرعى لقلته . ابن السكيت : الرسل من الإبل والغنم ما بين عشر إلى خمس وعشرين . وفي الحديث : إن لكم فرط على الحوض وإنه سيؤتى بكم رسلا رسلا فترهقون عني ، أي : فرقا . وجاءت الخيل أرسالا أي : قطيعا قطيعا . وراسله مراسلة ، فهو مراسل ورسيل . والرسل والرسلة : الرفق والتؤدة ، قال صخر الغي ويئس من أصحابه أن يلحقوا به وأحدق به أعداؤه وأيقن بالقتل فقال :


                                                          لو أن حولي من قريم رجلا     لمنعوني نجدة أو رسلا



                                                          أي : لمنعوني بقتال ، وهي النجدة ، أو بغير قتال ، وهي الرسل . والترسل كالرسل . والترسل في القراءة والترسيل واحد ، قال : وهو التحقيق بلا عجلة وقيل بعضه على أثر بعض . وترسل في قراءته : اتأد فيها . وفي الحديث : كان في كلامه ترسيل أي : ترتيل ، يقال : ترسل الرجل في كلامه ومشيه إذا لم يعجل ، وهو والترسل سواء . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : إذا أذنت فترسل أي : تأن ولا تعجل . وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له ربما مشيت علي فدادا ذا مال وذا خيلاء ، وفي حديث آخر : أيما رجل كانت له إبل لم يؤد زكاتها بطح لها بقاع قرقر تطؤه بأخفافها إلا من أعطى في نجدتها ورسلها ، يريد الشدة والرخاء ، يقول : يعطي وهي سمان حسان يشتد على مالكها إخراجها فتلك نجدتها ويعطي في رسلها وهي مهازيل ، مقاربة ، قال أبو عبيد : معناه إلا من أعطى في إبله ما يشق عليه إعطاؤه فيكون نجدة عليه أي : شدة ، أو يعطي ما يهون عليه إعطاؤه منها فيعطي ما يعطي مستهينا به على رسله ، وقال ابن الأعرابي في قوله : إلا من أعطى في رسلها ، أي : بطيب نفس منه . والرسل في غير هذا : اللبن يقال : كثر الرسل العام أي : كثر اللبن وسيأتي تفسيره أيضا في نجد . قال ابن الأثير : وقيل ليس للهزال فيه معنى ; لأنه ذكر الرسل بعد النجدة على جهة التفخيم للإبل ، فجرى مجرى قولهم إلا من أعطى في سمنها وحسنها ووفور لبنها ، قال : وهذا كله يرجع إلى معنى واحد فلا معنى للهزال ، لأن من بذل حق الله من المضنون به كان إلى إخراجه مما يهون عليه أسهل ، فليس لذكر الهزال بعد السمن معنى ، قالابن الأثير : والأحسن - والله أعلم - أن يكون المراد بالنجدة الشدة والجدب ، وبالرسل الرخاء والخصب ، لأن الرسل اللبن ، وإنما يكثر في حال الرخاء والخصب فيكون المعنى أنه يخرج حق الله تعالى في حال الضيق والسعة والجدب والخصب ; لأنه إذا أخرج حقها في سنة الضيق والجدب ، كان ذلك شاقا عليه فإنه إجحاف به وإذا أخرج حقها في حال الرخاء كان ذلك سهلا عليه ، ولذلك قيل في الحديث : يا رسول الله ، وما نجدتها ورسلها ؟ قال : عسرها ويسرها ، فسمى النجدة عسرا والرسل يسرا ; لأن الجدب عسر ، والخصب يسر ، فهذا الرجل يعطي حقها في حال الجدب والضيق وهو المراد بالنجدة ، وفي حال الخصب والسعة وهو المراد بالرسل . وقولهم : افعل كذا وكذا على رسلك بالكسر أي : اتئد فيه كما يقال على هينتك . وفي حديث صفية : فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : على رسلكما أي : اتئدا ولا تعجلا ، يقال لمن يتأنى ويعمل الشيء على هينته . الليث : الرسل - بفتح الراء - الذي فيه لين واسترخاء ، يقال : ناقة رسلة القوائم أي : سلسة لينة المفاصل وأنشد :


                                                          برسلة وثق ملتقاها     موضع جلب الكور من مطاها



                                                          وسير رسل : سهل . واسترسل الشيء : سلس . وناقة رسلة : سهلة السير وجمل رسل كذلك وقد رسل رسلا ورسالة . وشعر رسل : [ ص: 153 ] مسترسل . واسترسل الشعر أي : صار سبطا . وناقة مرسال : رسلة القوائم كثيرة الشعر في ساقيها طويلته . والمرسال : الناقة السهلة السير ، وإبل مراسيل ، وفي قصيد كعب بن زهير :


                                                          أضحت سعاد بأرض لا يبلغها     إلا العتاق النجيبات المراسيل



                                                          المراسيل : جمع مرسال وهي السريعة السير . ورجل فيه رسلة أي : كسل . وهم في رسلة من العيش أي : لين . أبو زيد : الرسل ، بسكون السين ، الطويل المسترسل ، وقد رسل رسلا ورسالة ; وقول الأعشى :


                                                          غولين فوق عوج رسال



                                                          أي : قوائم طوال . الليث : الاسترسال إلى الإنسان كالاستئناس والطمأنينة ، يقال : غبن المسترسل إليك ربا . واسترسل إليه أي : انبسط واستأنس . وفي الحديث : أيما سلم استرسل إلى مسلم فغبنه فهو كذا ; الاسترسال : الاستئناس والطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه ، وأصله السكون والثبات . قال : والترسل من الرسل في الأمور والمنطق كالتمهل والتوقر والتثبت ، وجمع الرسالة الرسائل . قال ابن جنبة : الترسل في الكلام التوقر والتفهم والترفق من غير أن يرفع صوته شديدا . والترسل في الركوب : أن يبسط رجليه على الدابة حتى يرخي ثيابه على رجليه حتى يغشيهما ، قال : والترسل في القعود أن يتربع ويرخي ثيابه على رجليه حوله . والإرسال : التوجيه ، وقد أرسل إليه ، والاسم الرسالة والرسالة والرسول والرسيل ; الأخيرة عن ثعلب ; وأنشد :


                                                          لقد كذب الواشون ما بحت عندهم     بليلى ولا أرسلتهم برسيل



                                                          والرسول : بمعنى الرسالة ، يؤنث ويذكر ، فمن أنث جمعه أرسلا ; قال الشاعر :


                                                          قد أتتها أرسلي



                                                          ويقال : هي رسولك . وتراسل القوم : أرسل بعضهم إلى بعض . والرسول : الرسالة والمرسل ، وأنشد الجوهري في الرسول الرسالة للأسعر الجعفي :


                                                          ألا أبلغ أبا عمرو رسولا     بأني عن فتاحتكم غني



                                                          عن فتاحتكم أي : حكمكم ; ومثله لعباس بن مرداس :


                                                          ألا من مبلغ عني خفافا     رسولا بيت أهلك منتهاها



                                                          فأنث الرسول حيث كان بمعنى الرسالة ; ومنه قول كثير :


                                                          لقد كذب الواشون ما بحت عندهم     بسر ولا أرسلتهم برسول



                                                          وفي التنزيل العزيز : إنا رسول رب العالمين ولم يقل رسل لأن فعولا وفعيلا يستوي فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع مثل عدو وصديق ; وقول أبي ذؤيب :


                                                          ألكني إليها وخير الرسو     ل أعلمهم بنواحي الخبر



                                                          أراد بالرسول الرسل ، فوضع الواحد موضع الجمع كقولهم كثر الدينار والدرهم ، لا يريدون به الدينار بعينه ، والدرهم بعينه ، إنما يريدون كثرة الدنانير والدراهم ، والجمع أرسل ورسل ورسل ورسلاء ; الأخيرة عن ابن الأعرابي ، وقد يكون للواحد والجمع والمؤنث بلفظ واحد ; وأنشد ابن بري شاهدا على جمعه على أرسل للهذلي :


                                                          لو كان في قلبي كقدر قلامة     حبا لغيرك ما أتاها أرسلي



                                                          وقال أبو بكر بن الأنباري في قول المؤذن : أشهد أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم وأبين أن محمدا متابع للإخبار عن الله - عز وجل - والرسول : معناه في اللغة الذي يتابع أخبار الذي بعثه أخذا من قولهم جاءت الإبل رسلا أي : متتابعة . وقال أبو إسحاق النحوي في قوله - عز وجل - حكاية عن موسى وأخيه : فقولا إنا رسول رب العالمين معناه إنا رسالة رب العالمين أي : ذوا رسالة رب العالمين ; وأنشد هو أو غيره :


                                                          . . . ما فهت عندهم     بسر ولا أرسلتهم برسول



                                                          أراد ولا أرسلتهم برسالة ، قال الأزهري : وهذا قول الأخفش . وسمي الرسول رسولا لأنه ذو رسول أي : ذو رسالة . والرسول : اسم من أرسلت وكذلك الرسالة . ويقال : جاءت الإبل أرسالا إذا جاء منها رسل بعد رسل . والإبل إذا وردت الماء وهي كثيرة فإن القيم بها يوردها الحوض رسلا بعد رسل ، ولا يوردها جملة فتزدحم على الحوض ولا تروى . وأرسلت فلانا في رسالة ، فهو مرسل ورسول . وقوله - عز وجل - : وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم قال الزجاج : يدل هذا اللفظ على أن قوم نوح قد كذبوا غير نوح - عليه السلام - بقوله الرسل ، ويجوز أن يعنى به نوح وحده لأن من كذب بنبي فقد كذب بجميع الأنبياء ، لأنه مخالف للأنبياء لأن الأنبياء - عليهم السلام - يؤمنون بالله وبجميع رسله ، ويجوز أن يكون يعني به الواحد ويذكر لفظ الجنس كقولك : أنت ممن ينفق الدراهم أي : ممن نفقته من هذا الجنس ، وقول الهذلي :


                                                          حبا لغيرك ما أتاها أرسلي



                                                          ذهب ابن جني إلى أنه كسر رسولا على أرسل ، وإن كان الرسول هنا إنما يراد به المرأة لأنها في غالب الأمر مما يستخدم في هذا الباب . والرسيل : الموافق لك في النضال ونحوه . والرسيل : السهل ، قال جبيهاء الأسدي :


                                                          وقمت رسيلا بالذي جاء يبتغي     إليه بليج الوجه لست بباسر



                                                          قال ابن الأعرابي : العرب تسمي المراسل في الغناء والعمل المتالي . وقوائم البعير : رسال . قال الأزهري : سمعت العرب تقول للفحل العربي يرسل في الشول ليضربها رسيل ، يقال : هذا رسيل بني فلان أي : فحل إبلهم . وقد أرسل بنو فلان رسيلهم أي : فحلهم ، كأنه فعيل [ ص: 154 ] بمعنى مفعل ، من أرسل ، قال : وهو كقوله - عز وجل - الم تلك آيات الكتاب الحكيم يريد - والله أعلم - المحكم ، دل على ذلك قوله - عز وجل - : الر كتاب أحكمت آياته ومما يشاكله قولهم للمنذر نذير ، وللمسمع سميع . وحديث مرسل إذا كان غير متصل الأسناد ، وجمعه مراسيل . والمراسل من النساء : التي تراسل الخطاب ، وقيل : هي التي فارقها زوجها بأي وجه كان - مات أو طلقها - وقيل : المراسل التي قد أسنت وفيها بقية شباب ، والاسم الرسال وفي حديث أبي هريرة : أن رجلا من الأنصار تزوج امرأة مراسلا ، يعني ثيبا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ! وقيل : امرأة مراسل هي التي يموت زوجها أو أحست منه أنه يريد تطليقها فهي تزين لآخر ; وأنشد المازني لجرير :


                                                          يمشي هبيرة بعد مقتل شيخه     مشي المراسل أوذنت بطلاق



                                                          يقول : ليس يطلب بدم أبيه ، قال : المراسل التي طلقت مرات فقد بسأت بالطلاق أي : لا تباليه ، يقول : فهبيرة قد بسأ بأن يقتل له قتيل ولا يطلب بثأره معود ذلك مثل هذه المرأة التي قد بسأت بالطلاق أي : أنست به - والله أعلم - . ويقال : جارية رسل إذا كانت صغيرة لا تختمر ، قال عدي بن زيد :


                                                          ولقد ألهو ببكر رسل     مسها ألين من مس الردن



                                                          وأرسل الشيء : أطلقه وأهمله . وقوله - عز وجل - : ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا قال الزجاج في قوله - عز وجل - : أرسلنا وجهان : أحدهما أنا خلينا الشياطين وإياهم فلم نعصمهم من القبول منهم ، قال : والوجه الثاني ، وهو المختار ، أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم كما قال تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ومعنى الإرسال هنا التسليط ، قال أبو العباس : الفرق بين إرسال الله - عز وجل - أنبياءه وإرساله الشياطين على أعدائه في قوله تعالى : أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين أن إرساله الأنبياء إنما هو وحيه إليهم أن أنذروا عبادي ، وإرساله الشياطين على الكافرين تخليته وإياهم كما تقول : كان لي طائر فأرسلته أي : خليته وأطلقته . والمرسلات ، في التنزيل : الرياح ، وقيل الخيل ، وقال ثعلب : الملائكة . والمرسلة : قلادة تقع على الصدر وقيل : المرسلة القلادة فيها الخرز وغيرها . والرسل اللبن ما كان . وأرسل القوم فهم مرسلون كثر رسلهم ، وصار لهم اللبن من مواشيهم ، وأنشد ابن بري :


                                                          دعانا المرسلون إلى بلاد     بها الحول المفارق والحقاق



                                                          ورجل مرسل : كثير الرسل واللبن والشرب ، قال تأبط شرا :


                                                          ولست براعي ثلة قام وسطها     طويل العصا غرنيق ضحل مرسل



                                                          مرسل : كثير اللبن فهو كالغرنيق ، وهو شبه الكركي في الماء أبدا . والرسل : ذوات اللبن . وفي حديث أبي سعيد الخدري : أنه قال رأيت في عام كثر فيه الرسل البياض أكثر من السواد ، ثم رأيت بعد ذلك في عام كثر فيه التمر السواد أكثر من البياض ، الرسل : اللبن وهو البياض إذا كثر قل التمر وهو السواد ، وأهل البدو يقولون إذا كثر البياض قل السواد ، وإذا كثر السواد قل البياض . والرسلان من الفرس : أطراف العضدين . والراسلان الكتفان ، وقيل عرقان فيهما ، وقيل الوابلتان . وألقى الكلام على رسيلاته أي : تهاون به . والرسيلي ، مقصور : دويبة . وأم رسالة : الرخمة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية