الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ردي ]

                                                          ردي : الردى : الهلاك . ردي بالكسر يردى ردى : هلك ، فهو رد . والردي : الهالك ، وأرداه الله . وأرديته أي : أهلكته . ورجل رد : للهالك . وامرأة ردية ، على فعلة . وفي التنزيل العزيز : إن كدت لتردين قال الزجاج : معناه لتهلكني ، وفيه : واتبع هواه فتردى . وفي حديث ابن الأكوع : فأردوا فرسين فأخذتهما ، هو من الردى الهلاك أي : أتعبوهما حتى أسقطوهما وخلفوهما ، والرواية المشهورة فأرذوا ، بالذال المعجمة ، أي : تركوهما لضعفهما وهزالهما . وردي في الهوة ردى وتردى : تهور . وأرداه الله ورداه فتردى : قلبه فانقلب . وفي التنزيل العزيز : وما يغني عنه ماله إذا تردى قيل : إذا مات ، وقيل : إذا تردى في النار من قوله تعالى : والمتردية والنطيحة وهي التي تقع من جبل أو تطيح في بئر أو تسقط من موضع مشرف فتموت . وقال الليث : التردي هو التهور في مهواة . وقال أبو زيد : ردي فلان في القليب يردى وتردى من الجبل ترديا . ويقال : ردى في البئر وتردى إذا سقط في بئر أو نهر من جبل ، لغتان . وفي الحديث أنه قال في بعير تردى في بئر : ذكه من حيث قدرت تردى أي : سقط كأنه تفعل من الردى الهلاك أي : اذبحه في أي موضع أمكن من بدنه إذا لم تتمكن من نحره . وفي حديث ابن مسعود : من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردى فهو ينزع بذنبه ، أراد أنه وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في البئر وأريد أن ينزع بذنبه فلا يقدر على خلاصه ، وفي حديثه الآخر : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ترديه بعد ما بين السماء والأرض أي : توقعه في مهلكة . والرداء : الذي يلبس ، وتثنيته رداءان ، وإن شئت رداوان ; لأن كل اسم ممدود فلا تخلو همزته ، إما أن تكون أصلية فتتركها في التثنية على ما هي عليه ولا تقلبها فتقول جزاءان وخطاءان ، قال ابن بري : صوابه أن يقول قراءان ووضاءان مما آخره همزة أصلية وقبلها ألف زائدة قال الجوهري : وإما أن تكون للتأنيث فتقلبها في التثنية واوا لا غير ، تقول صفراوان وسوداوان ، وإما أن تكون منقلبة من واو أو ياء مثل كساء ورداء أو ملحقة مثل علباء وحرباء ملحقة بسرداح وشملال ، فأنت فيها بالخيار إن شئت قلبتها واوا مثل التأنيث فقلت كساوان وعلباوان ورداوان ، وإن شئت تركتها همزة مثل الأصلية ، وهو أجود ، فقلت كساءان وعلباءان ورداءان ، والجمع أكسية . والرداء : من الملاحف وقول طرفة :


                                                          ووجه كأن الشمس حلت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد



                                                          فإنه جعل للشمس رداء ، وهو جوهر ; لأنه أبلغ من النور الذي هو العرض . والجمع أردية وهو الرداءة كقولهم الإزار والإزارة ، وقد تردى به وارتدى بمعنى أي : لبس الرداء . وإنه لحسن الردية أي : الارتداء . والردية : كالركبة من الركوب والجلسة من الجلوس تقول : هو حسن الردية . ورديته أنا تردية . والرداء : الغطاء الكبير . ورجل غمر الرداء : واسع المعروف وإن كان رداؤه صغيرا ، قال كثير :


                                                          غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا     غلقت لضحكته رقاب المال



                                                          وعيش غمر الرداء : واسع خصيب . والرداء : السيف ، قال ابن سيده : أراه على التشبيه بالرداء من الملابس ، قال متمم :


                                                          لقد كفن المنهال تحت ردائه     فتى غير مبطان العشيات أروعا



                                                          وكان المنهال قتل أخاه مالكا ، وكان الرجل إذا قتل رجلا مشهورا وضع سيفه عليه ليعرف قاتله ، وأنشد ابن بري للفرزدق :


                                                          فدى لسيوف من تميم وفى بها     ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم



                                                          وأنشد آخر :


                                                          ينازعني ردائي عبد عمرو     رويدا يا أخا سعد بن بكر



                                                          وقد تردى به وارتدى ، أنشد ثعلب :


                                                          إذا كشف اليوم العماس عن استه     فلا يرتدي مثلي ولا يتعمم



                                                          كنى بالارتداء عن تقلد السيف ، والتعمم عن حمل البيضة أو المغفر ، وقال ثعلب : معناهما ألبس ثياب الحرب ولا أتجمل . [ ص: 141 ] والرداء : القوس ، عن الفارسي . وفي الحديث : نعم الرداء القوس ; لأنها تحمل موضع الرداء من العاتق . والرداء : العقل . والرداء : الجهل ، عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          رفعت رداء الجهل عني ولم يكن     يقصر عني قبل ذاك رداء



                                                          وقال مرة : الرداء كل ما زينك حتى دارك وابنك ، فعلى هذا يكون الرداء ما زان وما شان . ابن الأعرابي : يقال أبوك رداؤك ودارك رداؤك وبنيك رداؤك ، وكل ما زينك فهو رداؤك . ورداء الشباب : حسنه وغضارته ونعمته ، وقال رؤبة :


                                                          حتى إذا الدهر استجد سيما     من البلى يستوهب الوسيما
                                                          رداءه والبشر والنعيما



                                                          يستوهب الدهر الوسيم أي : الوجه الوسيم رداءه ، وهو نعمته ، واستجد سيما أي : أثرا من البلى ، وكذلك قول طرفة :


                                                          ووجه كأن الشمس حلت رداءها     عليه نقي اللون لم يتخدد



                                                          أي : ألقت حسنها ونورها على هذا الوجه ، من التحلية ، فصار نورها زينة له كالحلي . والمرادي : الأردية واحدتها مرداة ، قال :


                                                          لا يرتدي مرادي الحرير     ولا يرى بشدة الأمير
                                                          إلا لحلب الشاة والبعير



                                                          وقال ثعلب : لا واحد لها . والرداء : الدين . قال ثعلب : وقول حكيم العرب من سره النساء ولا نساء ، فليباكر الغداء والعشاء ، وليخفف الرداء ، وليحذ الحذاء ، وليقل غشيان النساء ، الرداء : هنا الدين ، قال ثعلب : أراد لو زاد شيء في العافية لزاد هذا ولا يكون . التهذيب : وروي عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال : من أراد البقاء ولا بقاء ، فليباكر الغداء ، وليخفف الرداء ، وليقل غشيان النساء ، قالوا له : وما تخفيف الرداء في البقاء ؟ فقال : قلة الدين . قال أبو منصور : وسمي الدين رداء ; لأن الرداء يقع على المنكبين والكتفين ومجتمع العنق ، والدين أمانة ، والعرب تقول في ضمان الدين هذا لك في عنقي ولازم رقبتي ، فقيل للدين رداء ; لأنه لزم عنق الذي هو عليه كالرداء الذي يلزم المنكبين إذا تردي به ، ومنه قيل للسيف رداء ; لأن متقلده بحمائله مترد به ، وقالت خنساء :


                                                          وداهية جرها جارم     جعلت رداءك فيها خمارا



                                                          أي : علوت بسيفك فيها رقاب أعدائك كالخمار الذي يتجلل الرأس ، وقنعت الأبطال فيها بسيفك . وفي حديث قس : تردوا بالصماصم أي : صيروا السيوف بمنزلة الأردية . ويقال للوشاح رداء . وقد تردت الجارية إذا توشحت ، وقال الأعشى :


                                                          وتبرد برد رداء العرو     س بالصيف رقرقت فيه العبيرا



                                                          يعني به وشاحها المخلق بالخلوق . وامرأة هيفاء المردى أي : ضامرة موضع الوشاح . والرداء : الشباب ، وقال الشاعر :


                                                          وهذا ردائي عنده يستعيره



                                                          الأصمعي : إذا عدا الفرس فرجم الأرض رجما قيل ردى ، بالفتح ، يردي رديا ورديانا . وفي الصحاح : ردى يردي رديا ورديانا إذا رجم الأرض رجما بين العدو والمشي الشديد ، وفي حديث عاتكة :


                                                          بجأواء تردي حافتيه المقانب



                                                          أي : تعدو . قال الأصمعي : قلت لمنتجع بن نبهان ما الرديان ؟ قال : عدو الحمار بين آريه ومتمعكه . وردت الخيل رديا ورديانا : رجمت الأرض بحوافرها في سيرها وعدوها ، وأرداها هو ، وقيل : الرديان التقريب ، وقيل : الرديان عدو الفرس . وردى الغراب يردي : حجل . والجواري يردين رديا إذا رفعن رجلا ومشين على رجل أخرى يلعبن . وردى الغلام إذا رفع إحدى رجليه وقفز بالأخرى . ورديت فلانا بحجر أرديه رديا إذا رميته ، قال ابن حلزة :


                                                          وكأن المنون تردي بنا أع     صم صم ينجاب عنه العماء



                                                          ورديته بالحجارة أرديه رديا : رميته . وفي حديث ابن الأكوع : فرديتهم بالحجارة أي : رميتهم بها . يقال : ردى يردي رديا إذا رمى . والمردى والمرداة : الحجر وأكثر ما يقال في الحجر الثقيل . وفي حديث أحد : قال أبو سفيان : من رداه أي : من رماه . ورديته : صدمته . ورديت الحجر بصخرة أو بمعول إذا ضربته بها لتكسره . ورديت الشيء بالحجر : كسرته . والمرداة : الصخرة تردي بها والحجر ترمي به وجمعها المرادي ، ومنه قولهم في المثل : عند جحر كل ضب مرداته ، يضرب مثلا للشيء العتيد ليس دونه شيء ، وذلك أن الضب ليس يندل على جحره ، إذا خرج منه فعاد إليه ، إلا بحجر يجعله علامة لجحره فيهتدي بها إليه ، وتشبه بها الناقة في الصلابة فيقال مرداة . وقال الفراء : الصخرة يقال لها رداة ، وجمعها رديات ، وقال ابن مقبل :


                                                          وقافية مثل حد الردا     ة لم تترك لمجيب مقالا



                                                          وقال طفيل :


                                                          رداة تدلت من صخور يلملم



                                                          ويلملم : جبل . والمرداة : الحجر الذي لا يكاد الرجل الضابط يرفعه بيده يردى به الحجر ، والمكان الغليظ يحفرونه فيضربونه فيلينونه ، ويردى به جحر الضب إذا كان في قلعة فيلين القلعة ويهدمها ، والردي إنما هو رفع بها ورمي بها . الجوهري : المردى حجر يرمى به ، ومنه قيل للرجل الشجاع : إنه لمردى حروب وهم مرادي الحروب ، وكذلك المرداة ، والمرداة : صخرة تكسر بها الحجارة . الجوهري : والرداة الصخرة ، والجمع الردى ، وقال :


                                                          فحل مخاض كالردى المنقض



                                                          والمرادي : القوائم من الإبل والفيلة على التشبيه قال الليث : تسمى قوائم الإبل مرادي لثقلها وشدة وطئها نعت لها خاصة ، وكذلك [ ص: 142 ] مرادى الفيل . والمرادي : المرامي وفلان مردى خصومة وحرب : صبور عليهما . وراديت عن القوم مراداة إذا راميت بالحجارة والمردي : خشبة تدفع بها السفينة تكون في يد الملاح ، والجمع المرادي . قال ابن بري : والمردى مفعل من الردى وهو الهلاك . ورادى الرجل : داراه وراوده ، وراودته على الأمر وراديته مقلوب منه . قال ابن سيده : راديته على الأمر راودته كأنه مقلوب ، قال طفيل ينعت فرسه :


                                                          يرادي على فأس اللجام كأنما     يرادى به مرقاة جذع مشذب



                                                          أبو عمرو : راديت الرجل وداجيته وداليته وفانيته بمعنى واحد . والردى : الزيادة . يقال : ما بلغت ردى عطائك أي : زيادتك في العطية . ويعجبني ردى قولك أي : زيادة قولك ، قال كثير :


                                                          له عهد ود لم يكدر يزينه     ردى قول معروف حديث ومزمن



                                                          أي : يزين عهد وده زيادة قول معروف منه ، وقال آخر :


                                                          تضمنها بنات الفحل عنهم     فأعطوها وقد بلغوا رداها



                                                          ويقال : ردى على المائة يردي وأردى يردي أي : زاد . ورديت على الشيء وأرديت : زدت . وأردى على الخمسين والثمانين : زاد ، وقال أوس :


                                                          وأسمر خطيا كأن كعوبه     نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر



                                                          وقال الليث : لغة العرب أردأ على الخمسين زاد . وردت غنمي وأردت : زادت عن الفراء وأما قول كثير عزة :


                                                          له عهد ود لم يكدر يزينه     ردى قول معروف حديث ومزمن



                                                          فقيل في تفسيره : ردى ، زيادة ، قال ابن سيده : وأراه بنى منه مصدرا على فعل كالضحك والحمق ، أو اسما على فعل فوضعه موضع المصدر ، قال ابن سيده : وإنما قضينا على ما لم تظهر فيه الياء من هذا الباب بالياء ; لأنها لام مع وجود ردي ظاهرة وعدم ردو . ويقال : ما أدري أين ردى أي : أين ذهب . ابن بري : والمرداء - بالمد - موضع ، قال الراجز :


                                                          هلا سألتم يوم مرداء هجر     إذ قابلت بكر وإذ فرت مضر



                                                          وقال آخر :


                                                          فليتك حال البحر دونك كله     ومن بالمرادي من فصيح وأعجم



                                                          قال الأصمعي : المرادي جمع مرداء - بكسر الميم - وهي رمال منبطحة ليست بمشرفة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية