الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وذلك دين القيمة .

                                                                                                                                                                                                                                      القيمة : فيعلة من القوامة ، وهي غاية الاستقامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد جاء بعد قوله : فيها كتب قيمة [ 98 \ 3 ] ، أي : مستقيمة بتعاليمها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد نص تعالى على أن القرآن أقومها وأعدلها كما في قوله : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] ، وقال تعالى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما [ 18 \ 1 - 2 ] ، فنفى عنه العوج ، وأثبت له الاستقامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا غاية في القوامة كما قدمنا من قبل ، من أن المستقيم قد يكون فيه انحناء كالطريق المعبد المستقيم عن المرتفعات والمنخفضات ، لكنه ينحرف تارة يمينا وشمالا [ ص: 48 ] مع استقامته ، فهو مع الاستقامة لم يخل من العوج .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن ما ينتفي عنه العوج وتثبت له الاستقامة ، هو الطريق الذي يمتد في اتجاه واحد بدون أي اعوجاج إلى أي الجانبين ، مع استقامته في سطحه .

                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا هو القرآن ، فهو الصراط المستقيم ، ولذا قال تعالى : وذلك دين القيمة [ 98 \ 5 ] الملة القيمة ، قيمة في ذاتها ، وقيمة على غيرها : ومهيمنة عليه ، وكقوله : ذلك الدين القيم [ 12 \ 40 ] ، وقوله : قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [ 6 \ 161 - 163 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه

                                                                                                                                                                                                                                      إن في هذه الآية ردا صريحا على أولئك الذين ينادون بدون علم إلى دعوة لا تخلو من تشكيك ، حيث لم تسلم من لبس ، وهي دعوة وحدة الأديان ، ومحل اللبس فيها أن هذا القول منه حق ، ومنه باطل .

                                                                                                                                                                                                                                      أما الحق فهو وحدة الأصول ، كما قال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة [ 98 \ 5 ] ، وأما الباطل فهو الإبهام ، بأن هذا ينجر على الفروع مع الجزم عند الجميع ، بأن فروع كل دين قد لا تتفق كلها مع فروع الدين الآخر ، فلم تتحد الصلاة في جميع الأديان ولا الصيام ، ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أجمع المسلمون على أن العبرة بما في القرآن من تفصيل للفروع ، والسنة تكمل تفصيل ما أجمل .

                                                                                                                                                                                                                                      وهنا النص الصريح بأن ذلك الذي جاء به القرآن هو دين القيمة ، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم ، وهي أفعل تفضيل ، فلا يمكن أن يعادل ويساوي مع غيره أبدا مع نصوص القرآن ، بأن الله أخذ العهد على جميع الأنبياء لئن أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به ، ولينصرنه وليتبعنه ، وأخذ عليهم العهد بذلك . وقد أخبر الرسل أممهم بذلك . فلم يبق مجال في هذا الوقت ولا غيره لدعوة الجاهلية بعنوان مجوف وحدة الأديان ، بل الدين الإسلامي وحده : إن الدين عند الله الإسلام [ 3 \ 19 ] ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [ 3 \ 85 ] [ ص: 49 ] وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية