الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رجا ]

                                                          رجا : الرجاء من الأمل : نقيض اليأس ممدود . رجاه يرجوه ، رجوا ورجاء ورجاوة ومرجاة ورجاة ، وهمزته منقلبة عن واو بدليل ظهورها في رجاوة . وفي الحديث : إلا رجاة أن أكون من أهلها ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          غدوت رجاة أن يجود مقاعس وصاحبه فاستقبلاني بالغدر



                                                          ويروى : بالعذر ، وقد تكرر في الحديث ذكر الرجاء بمعنى التوقع والأمل . ورجيه ورجاه وارتجاه وترجاه بمعنى ، قال بشر يخاطب بنته :


                                                          فرجي الخير وانتظري إيابي     إذا ما القارظ العنزي آبا



                                                          وما لي في فلان رجية أي : ما أرجو . ويقال : ما أتيتك إلا رجاوة الخير . التهذيب : من قال فعلت ذلك رجاة كذا فهو خطأ ، إنما يقال رجاء كذا ، قال : والرجو المبالاة ، يقال : ما أرجو أي : ما أبالي . قال الأزهري : رجي بمعنى رجا لم أسمعه لغير الليث ، ولكن رجي إذا دهش . وأرجت الناقة : دنا نتاجها ، يهمز ولا يهمز ، وقد يكون الرجو والرجاء بمعنى الخوف . ابن سيده : والرجاء الخوف . وفي التنزيل العزيز : ما لكم لا ترجون لله وقارا . وقال ثعلب : قال الفراء الرجاء في معنى الخوف لا يكون إلا مع الجحد ، تقول : ما رجوتك أي : ما خفتك ، ولا تقول رجوتك في معنى خفتك ، وأنشد لأبي ذؤيب :


                                                          إذا لسعته النحل لم يرج لسعها     وخالفها في بيت نوب عواسل



                                                          أي : لم يخف ولم يبال ، ويروى : وحالفها ، قال : فحالفها لزمها ، وخالفها دخل عليها وأخذ عسلها . الفراء : رجا في موضع الخوف إذا كان معه حرف نفي ، ومنه قول الله - عز وجل - : ما لكم لا ترجون لله وقارا المعنى لا تخافون لله عظمة ، قال الراجز :


                                                          لا ترتجي حين تلاقي الذائدا     أسبعة لاقت معا أو واحدا ؟



                                                          قال الفراء : وقال بعض المفسرين في قوله تعالى : وترجون من الله ما لا يرجون معناه تخافون قال : ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد ، فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف وكان الرجاء كذلك كقوله - عز وجل : لا يرجون أيام الله هذه للذين لا يخافون أيام الله وكذلك قوله تعالى : لا ترجون لله وقارا وأنشد بيت أبي ذؤيب :


                                                          إذا لسعته النحل لم يرج لسعها



                                                          قال : ولا يجوز رجوتك وأنت تريد خفتك ولا خفتك وأنت تريد رجوتك . وقوله تعالى : وقال الذين لا يرجون لقاءنا أي : لا يخشون لقاءنا ، قال ابن بري : كذا ذكره أبو عبيدة . والرجا مقصور : ناحية كل شيء ، وخص بعضهم به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها ، وحافتيها . وكل شيء وكل ناحية رجا ، وتثنيته رجوان كعصا وعصوان . ورمي به الرجوان : استهين به فكأنه رمي به هنالك ، أرادوا أنه طرح في المهالك ، قال :


                                                          فلا يرمى بي الرجوان أني     أقل القوم من يغني مكاني



                                                          وقال المرادي :


                                                          لقد هزئت مني بنجران إذ رأت     مقامي في الكبلين أم أبان
                                                          كأن لم تري قبلي أسيرا مكبلا     ولا رجلا يرمى به الرجوان



                                                          أي : لا يستطيع أن يستمسك ، والجمع أرجاء ، ومنه قوله تعالى : والملك على أرجائها أي : نواحيها ، قال ذو الرمة :


                                                          بين الرجا والرجا من جنب واصبة     يهماء خابطها بالخوف معكوم



                                                          والأرجاء تهمز ولا تهمز . وفي حديث حذيفة لما أتي بكفنه فقال : إن يصب أخوكم خيرا فعسى وإلا فليترام بي رجواها إلى يوم القيامة أي : جانبا الحفرة ، والضمير راجع إلى غير مذكور ، يريد به الحفرة ، والرجا مقصور : ناحية الموضع ، وقوله : فليترام بي لفظ أمر ، والمراد به الخبر أي : وإلا ترامى بي رجواها ، كقوله تعالى : فليمدد له الرحمن مدا . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما : كان [ ص: 119 ] الناس يردون منه أرجاء واد رحب ، أي : نواحيه وصفه بسعة العطن والاحتمال ، والأناة . وأرجاها : جعل لها رجا . وأرجى الأمر : أخره لغة في أرجأه . ابن السكيت : أرجأت الأمر وأرجيته إذا أخرته ، يهمز ولا يهمز ، وقد قرئ : وآخرون مرجون لأمر الله ، وقرئ : مرجؤون ، وقرئ أرجه وأخاه ، و ( أرجئه وأخاه ) ، قال ابن سيده : وفي قراءة أهل المدينة قالوا : أرجه وأخاه ، وإذا وصفت به قلت : رجل مرج ، وقوم مرجية ، وإذا نسبت إليه قلت : رجل مرجي - بالتشديد - على ما ذكرناه في باب الهمز . وفي حديث توبة كعب بن مالك : وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أي : أخره . قال ابن الأثير : الإرجاء : التأخير ، وهذا مهموز . وقد ورد في الحديث ذكر المرجئة قال : وهم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية ، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة ، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي : أخره عنهم ، والمرجئة يهمز ولا يهمز ، وكلاهما بمعنى التأخير . وتقول من الهمز : رجل مرجئ وهم المرجئة ، وفي النسب مرجئي مثال مرجع ومرجعة ومرجعي ، وإذا لم تهمز قلت رجل مرج ومرجية ومرجي ، مثل معط ومعطية ومعطي . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : ألا ترى أنهم يتبايعون الذهب بالذهب ، والطعام مرجى أي : مؤجلا مؤخرا ، ويهمز ولا يهمز ، قال ابن الأثير : وفي كتاب الخطابي على اختلاف نسخه مرجى - بالتشديد - للمبالغة ، ومعنى الحديث أن يشتري من إنسان طعاما بدينار إلى أجل ، ثم يبيعه منه أو من غيره قبل أن يقبضه بدينارين مثلا ، فلا يجوز ; لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب والطعام غائب فكأنه قد باعه ديناره الذي اشترى به الطعام بدينارين ، فهو ربا ; ولأنه بيع غائب بناجز ولا يصح . والأرجية : ما أرجي من شيء . وأرجى الصيد : لم يصب منه شيئا كأرجأه . قال ابن سيده : وهذا كله واوي لوجود رج وملفوظا به مبرهنا عليه ، وعدم ( رج ي ) على هذه الصفة ، وقوله تعالى : ترجي من تشاء منهن من ذلك . وقطيفة حمراء أرجوان والأرجوان : الحمرة ، وقيل : هو النشاستج وهو الذي تسميه العامة النشا . والأرجوان : الثياب الحمر ، عن ابن الأعرابي . والأرجوان : الأحمر . وقال الزجاج : الأرجوان صبغ أحمر شديد الحمرة ، والبهرمان دونه وأنشد ابن بري :


                                                          عشية غادرت خيلي حميدا     كأن عليه حلة أرجوان



                                                          وحكى السيرافي : أحمر أرجوان ، على المبالغة به ، كما قالوا أحمر قانئ وذلك لأن سيبويه إنما مثل به في الصفة ، فإما أن يكون على المبالغة التي ذهب إليها السيرافي ، وإما أن يريد الأرجوان الذي هو الأحمر مطلقا . وفي حديث عثمان : أنه غطى وجهه بقطيفة حمراء أرجوان وهو محرم ؛ قال أبو عبيد : الأرجوان الشديد الحمرة ، لا يقال لغير الحمرة أرجوان ، وقال غيره : أرجوان معرب أصله أرغوان بالفارسية فأعرب ، قال : وهو شجر له نور أحمر أحسن ما يكون ، وكل لون يشبهه فهو أرجوان ، قال عمرو بن كلثوم :


                                                          كأن ثيابنا منا ومنهم     خضبن بأرجوان أو طلينا



                                                          ويقال : ثوب أرجوان وقطيفة أرجوان ، والأكثر في كلامهم إضافة الثوب والقطيفة إلى الأرجوان ، وقيل : إن الكلمة عربية والألف والنون زائدتان ، وقيل : هو الصبغ الأحمر الذي يقال له النشاستج ، والذكر والأنثى فيه سواء . أبو عبيد : البهرمان دون الأرجوان في الحمرة ، والمفدم المشرب حمرة . ورجاء ومرجى : اسمان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية