الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رجز ]

                                                          رجز : الرجز : داء يصيب الإبل في أعجازها . والرجز : أن تضطرب رجل البعير أو فخذاه إذا أراد القيام أو ثار ساعة ثم تنبسط . والرجز : ارتعاد يصيب البعير والناقة في أفخاذهما ومؤخرهما عند القيام ، وقد رجز رجزا ، وهو أرجز ، والأنثى رجزاء ، وقيل : ناقة رجزاء ضعيفة العجز إذا نهضت من مبركها لم تستقل إلا بعد نهضتين ، أو ثلاث قال أوس بن حجر يهجو الحكم بن مروان بن زنباع :


                                                          هممت بخير ثم قصرت دونه كما ناءت الرجزاء شد عقالها     منعت قليلا نفعه وحرمتني
                                                          قليلا فهبها بيعة لا تقالها



                                                          ويروى : عثرة وكان وعده بشيء ثم أخلفه ، والذي في شعره : هممت بباع ، وهو فعل خير يعطيه . قال : ومنه الحديث : يلحقني منكن أطولكن باعا ، فلما ماتت زينب رضي الله عنها علمن أنها هي ، يقول : لم تتم ما وعدت ، كما أن الرجزاء أرادت النهوض فلم تكد تنهض إلا بعد ارتعاد شديد ، ومنه سمي الرجز من الشعر لتقارب أجزائه وقلة حروفه ، وقول الراعي يصف الأثافي :


                                                          ثلاث صلين النار شهرا وأرزمت     عليهن رجزاء القيام هدوج



                                                          يعني ريحا تهدج لها رزمة أي : صوت . ويقال : أراد برجزاء القيام قدرا كبيرة ثقيلة . هدوج : سريعة الغليان ، قال : وهذا هو الصواب ، وقال أبو النجم :


                                                          حتى تقوم تكلف الرجزاء



                                                          ويقال للريح إذا كانت دائمة : إنها لرجزاء ، وقد رجزت رجزا ، والرجز : مصدر رجز يرجز ، قال ابن سيده : والرجز شعر ابتداء أجزائه سببان ثم وتد ، وهو وزن يسهل في السمع ويقع في النفس ، ولذلك جاز أن يقع فيه المشطور وهو الذي ذهب شطره ، والمنهوك وهو الذي قد ذهب منه أربعة أجزائه وبقي جزآن نحو :


                                                          يا ليتني فيها جذع     أخب فيها وأضع



                                                          وقد اختلف فيه فزعم قوم أنه ليس بشعر وأن مجازه مجاز السجع ، وهو عند الخليل شعر صحيح ، ولو جاء منه شيء على جزء واحد لاحتمل الرجز ذلك لحسن بنائه . وفي التهذيب : وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث ، ودليل الخليل في ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله :

                                                          ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك من لم تزود بالأخبار

                                                          قال الخليل : لو كان نصف البيت شعرا ما جرى لسان النبي - صلى الله عليه وسلم :

                                                          ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

                                                          وجاء بالنصف الثاني على غير تأليف الشعر ; لأن نصف البيت لا يقال له شعر ، ولا بيت ، ولو جاز أن يقال لنصف البيت شعر لقيل لجزء منه شعر وقد جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم : " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " قال بعضهم : إنما هو لا كذب بفتح الباء على الوصل ، قال الخليل : فلو كان شعرا لم يجر على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له أي : وما يتسهل له ; قال الأخفش : قول الخليل إن هذه الأشياء شعر ، قال : وأنا أقول إنها ليست بشعر ، وذكر أنه هو ألزم الخليل ما ذكرنا وأن الخليل اعتقده . قال الأزهري : قول الخليل الذي كان بنى عليه أن الرجز شعر ومعنى قول الله - عز وجل : وما علمناه الشعر وما ينبغي له أي : لم نعلمه الشعر فيقوله ويتدرب فيه حتى ينشئ منه كتبا ، وليس في إنشاده - صلى الله عليه وسلم - البيت والبيتين لغيره ما يبطل هذا ; لأن المعنى فيه إنا لم نجعله شاعرا قال الخليل : الرجز المشطور والمنهوك ليسا من الشعر ، قال : والمنهوك كقوله : أنا النبي لا كذب والمشطور : الأنصاف المسجعة . وفي حديث الوليد بن المغيرة حين قالت قريش للنبي : إنه شاعر ، فقال : لقد عرفت الشعر ورجزه وهزجه وقريضه فما هو به . والرجز : بحر من بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه يكون كل مصراع منه مفردا ، وتسمى قصائده أراجيز ، واحدتها أرجوزة ، وهي كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر ، ويسمى قائله راجزا ، كما يسمى قائل بحور الشعر شاعرا . قال الحربي : ولم يبلغني أنه جرى على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضروب الرجز إلا ضربان : المنهوك والمشطور ، ولم يعدهما الخليل شعرا ، فالمنهوك كقوله في رواية البراء [ ص: 105 ] إنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - على بغلة بيضاء يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب والمشطور ، كقوله في رواية جندب : إنه صلى الله عليه وسلم دميت إصبعه فقال : " هل أنت إلا إصبع دميت ؟ وفي سبيل الله ما لقيت " ويروى أنالعجاج أنشد أبا هريرة :


                                                          ساقا بخنداة وكعبا أدرما



                                                          فقال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه نحو هذا من الشعر . قال الحربي : فأما القصيدة فلم يبلغني أنه أنشد بيتا تاما على وزنه إنما كان ينشد الصدر أو العجز ، فإن أنشده تاما لم يقمه على وزنه ، إنما أنشد صدر بيت لبيد :


                                                          ألا كل شيء ما خلا الله باطل



                                                          وسكت عن عجزه وهو :

                                                          وكل نعيم لا محالة زائل



                                                          وأنشد عجز بيت طرفة :

                                                          ويأتيك من لم تزود بالأخبار

                                                          وصدره :

                                                          ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا



                                                          وأنشد :

                                                          أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينة ؟

                                                          فقال الناس : بين عيينة والأقرع ، فأعادها : بين الأقرع وعيينة ، فقام أبو بكر - رضي الله عنه - فقال : أشهد أنك رسول الله ! ثم قرأ : وما علمناه الشعر وما ينبغي له قال : والرجز ليس بشعر عند أكثرهم . وقوله : أنا ابن عبد المطلب ، لم يقله افتخارا به ; لأنه كان يكره الانتساب إلى الآباء الكفار ، ألا تراه لما قال له الأعرابي : يا ابن عبد المطلب ، قال : قد أجبتك ؟ ولم يتلفظ بالإجابة كراهة منه لما دعاه به ، حيث لم ينسبه إلى ما شرفه الله به من النبوة والرسالة ، ولكنه أشار بقوله : أنا ابن عبد المطلب ، إلى رؤيا كان رآها عبد المطلب كانت مشهورة عندهم رأى تصديقها فذكرهم إياها بهذا القول . وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه : من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز ، إنما سماه راجزا ; لأن الرجز أخف على لسان المنشد واللسان به أسرع من القصيد . قال أبو إسحاق . إنما سمي الرجز رجزا ; لأنه تتوالى فيه في أوله حركة وسكون ثم حركة وسكون إلى أن تنتهي أجزاؤه ، يشبه بالرجز في رجل الناقة ورعدتها ، وهو أن تتحرك وتسكن ثم تتحرك وتسكن ، وقيل : سمي بذلك ; لاضطراب أجزائه وتقاربها ، وقيل : لأنه صدور بلا أعجاز ، وقال ابن جني : كل شعر تركب تركيب الرجز سمي رجزا ، وقال الأخفش مرة : الرجز عند العرب كل ما كان على ثلاثة أجزاء ، وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به ، قال ابن سيده : وقد روى بعض من أثق به نحو هذا عن الخليل ، قال ابن جني : لم يحتفل الأخفش هاهنا بما جاء من الرجز على جزأين نحو قوله : يا ليتني فيها جذع ، قال : وهو لعمري ، بالإضافة إلى ما جاء منه على ثلاثة أجزاء جزء لا قدر له لقلته فلذلك لم يذكره الأخفش في هذا الموضع ، فإن قلت : فإن الأخفش لا يرى ما كان على جزأين شعرا ، قيل : وكذلك لا يرى ما هو على ثلاثة أجزاء أيضا شعرا ومع ذلك فقد ذكره الآن وسماه رجزا ، ولم يذكر ما كان منه على جزأين وذلك لقلته لا غير ، وإذا كان إنما سمي رجزا ; لاضطرابه تشبيها بالرجز في الناقة ، وهو اضطرابها عند القيام فما كان على جزأين فالاضطراب فيه أبلغ وأوكد ، وهي الأرجوزة للواحدة والجمع الأراجيز . رجز الراجز يرجز رجزا وارتجز الرجاز ارتجازا : قال أرجوزة . وتراجزوا وارتجزوا : تعاطوا بينهم الرجز ، وهو رجاز ورجازة وراجز . والارتجاز : صوت الرعد المتدارك . وارتجز الرعد ارتجازا إذا سمعت له صوتا متتابعا . وترجز السحاب إذا تحرك تحركا بطيئا لكثرة مائه ، قال الراعي :


                                                          ورجافا تحن المزن فيه     ترجز من تهامة فاستطارا



                                                          وغيث مرتجز : ذو رعد ، وكذلك مترجز ، قال أبو صخر :

                                                          وما مترجز الآذي جون     له حبك يطم على الجبال ؟



                                                          والمرتجز : اسم فرس سيدنا رسول الله سمي بذلك ; لجهارة صهيله وحسنه وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتراه من الأعرابي وشهد له خزيمة بن ثابت ، ورد ذكره في الحديث . وتراجز القوم : تنازعوا . والرجز : القذر مثل الرجس : والرجز : العذاب . والرجز والرجز : عبادة الأوثان ، وقيل : هو الشرك ما كان تأويله أن من عبد غير الله تعالى فهو على ريب من أمره واضطراب من اعتقاده ، كما قال سبحانه وتعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف أي : على شك وغير ثقة ولا مسكة ولا طمأنينة وقوله تعالى : والرجز فاهجر قال قوم : هو صنم وهو قول مجاهد ، والله أعلم قال أبو إسحاق : قرئ والرجز والرجز - بالكسر والضم - ومعناهما واحد ، وهو العمل الذي يؤدي إلى العذاب ، وقال عز من قائل : لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك أي : كشفت عنا العذاب . وقوله : رجزا من السماء هو العذاب وفي الحديث : أن معاذا - رضي الله عنه - أصابه الطاعون ، فقال عمرو بن العاص : لا أراه إلا رجزا وطوفانا ، فقال معاذ : ليس برجز ولا طوفان هو - بكسر الراء - العذاب والإثم والذنب ، ويقال في قوله : والرجز فاهجر أي : عبادة الأوثان . وأصل الرجز في اللغة : تتابع الحركات ، ومن ذلك قولهم : ناقة رجزاء إذا كانت قوائمها ترتعد عند قيامها ، ومن هذا رجز الشعر ; لأنه أقصر أبيات الشعر والانتقال من بيت إلى بيت سريع نحو قوله :


                                                          صبرا بني عبد الدار



                                                          وكقوله :


                                                          ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا



                                                          قال أبو إسحاق : ومعنى الرجز في القرآن هو العذاب المقلقل لشدته ، وله قلقلة شديدة متتابعة . وقوله - عز وجل : ويذهب عنكم رجز الشيطان قال المفسرون : هو وساوسه وخطاياه وذلك أن المسلمين [ ص: 106 ] كانوا في رمل تسوخ فيه الأرجل ، وأصابت بعضهم الجنابة فوسوس إليهم الشيطان بأن عدوهم يقدرون على الماء وهم لا يقدرون عليه ، وخيل إليهم أن ذلك عون من الله تعالى لعدوهم ، فأمطر الله تعالى المكان الذي كانوا فيه حتى تطهروا من الماء ، واستوت الأرض التي كانوا عليها ، وذلك من آيات الله - عز وجل - . ووسواس الشيطان رجز . وترجز الرجل إذا تحرك تحركا بطيئا ثقيلا لكثرة مائه . والرجازة : ما عدل به ميل الحمل والهودج ، وهو كساء يجعل فيه حجارة ويعلق بأحد جانبي الهودج ليعدله إذا مال ، سمي بذلك ; لاضطرابه وفي التهذيب : هو شيء من وسادة وأدم إذا مال أحد الشقين وضع في الشق الآخر ليستوي ، سمي رجازة الميل . والرجازة : مركب للنساء دون الهودج . والرجازة : ما زين به الهودج من صوف وشعر أحمر ، قال الشماخ :


                                                          ولو ثقفاها ضرجت بدمائها     كما جللت نضو القرام الرجائز



                                                          قال الأصمعي : هذا خطأ إنما هي الجزائز ، الواحدة جزيرة ، وقد تقدم ذكرها . والرجائز : مراكب أصغر من الهوادج ، ويقال : هو كساء تجعل فيه أحجار تعلق بأحد جانبي الهودج إذا مال . والرجاز : واد معروف ، قال بدر بن عامر الهذلي :


                                                          أسد تفر الأسد من عروائه     بمدافع الرجاز أو بعيون



                                                          ويروى : بمدامع الرجاز ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية