الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المكثرون من الصحابة ] الرابعة : في المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم رواية وإفتاء . ( والمكثرون ) منهم رواية كما قاله أحمد فيما نقله ابن كثير وغيره ، الذين زاد حديثهم على ألف ( ستة ) ، وهم : ( أنس ) هو ابن مالك ، و ( ابن عمر ) عبد الله ، وأم المؤمنين عائشة ( الصديقة ) ابنة الصديق ، و ( البحر ) عبد الله بن عباس . وسمي بحرا ; لسعة علمه وكثرته ، وممن سماه بذلك أبو الشعثاء جابر بن زيد أحد التابعين ممن أخذ عنه ، فقال في شيء : وأبى ذلك البحر ، يريد ابن عباس . و ( جابر ) هو ابن عبد الله ، و ( أبو هريرة ) ، وهو بإجماع حسبما حكاه النووي ( أكثرهم ) كما قاله سعيد بن أبي الحسن وابن حنبل ، وتبعهما ابن الصلاح غير متعرض لترتيب من عداه في [ ص: 103 ] الأكثرية . والذي يدل لذلك ما نسب لبقي بن مخلد مما أودعه في مسنده خاصة كما أفاده شيخنا لا مطلقا ; فإنه روى لأبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وستين ، ولابن عمر ألفين وستمائة وثلاثين ، ولأنس ألفين ومائتين وستة وثمانين ، ولعائشة ألفين ومائتين وعشرة ، ولابن عباس ألفا وستمائة وستين ، ولجابر ألفا وخمسمائة وأربعين . ولهم سابع نبه عليه المصنف تبعا لابن كثير ، وهو أبو سعيد الخدري ، فروى له بقي ألفا ومائة وسبعين ، وقد نظمه البرهان الحلبي فقال :

أبو سعيد نسبة لخدرة سابعهم أهمل في القصيدة .

وكذا أدرج ابن كثير في المكثرين ابن مسعود وابن عمرو بن العاص ، ولم يبلغ حديث واحد منهما عند بقي ألفا ; إذ حديث أولهما عنده ثمانمائة وثمانية وأربعون ، وثانيهما سبعمائة . واستثناء أبي هريرة له من كونه أكثر الصحابة حديثا كما في الصحيح لا يخدش فيما تقدم ولو كان الاستثناء متصلا ، فقد أجيب بأن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم ، فقلت الرواية عنه ، أو أن أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار كان بمصر أو بالطائف ، ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة .

وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث حتى مات ; أو لأن أبا هريرة اختص بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن لا ينسى ما يحدثه به ، فانتشرت روايته ، إلى غير ذلك من الأجوبة .

[ ص: 104 ] والمكثرون منهم إفتاء سبعة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعائشة .

قال ابن حزم : يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم . ( والبحر ) ابن عباس ( في الحقيقة أكثر ) الصحابة كلهم على الإطلاق ( فتوى ) فيما قاله الإمام أحمد ، بحيث كان كبار الصحابة يحيلون عليه في الفتوى ، وكيف لا وقد دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( اللهم علمه الكتاب ) ، وفي لفظ : ( اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل ) ، وفي آخر : ( اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ) ، وفي آخر : ( اللهم بارك فيه وانشر منه ) ؟ ! وقال ابن عمر : هو أعلم من بقي بما أنزل الله على محمد .

وقال أبو بكرة : قدم علينا بالبصرة وما في العرب مثله حشما وعلما وبيانا وجمالا . وقال ابن مسعود : ( لو أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد ) . وقالت عائشة : ( هو أعلم الناس بالحج ) . ثم إن وصفه بالبحر ثابت في صحيح البخاري وغيره ، وإنما وصفه بذلك لكثرة علمه كما قال مجاهد فيما أخرجه ابن سعد وغيره . وعند ابن سعد أيضا من طريق ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول : قال البحر ، وفعل البحر ، يريد ابن عباس . بل سماه غير واحد : حبر الأمة ، وبعضهم : حبر العرب ، وترجمان القرآن ، ورباني الأمة . قال ابن حزم : ويلي [ ص: 105 ] هؤلاء السبعة في الفتوى عشرون ، وهم : أبو بكر ، وعثمان ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة ، وأنس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وسلمان ، وجابر ، وأبو سعيد ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمران بن حصين ، وأبو بكرة ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وأم سلمة . قال : ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير . قال : وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا مقلون في الفتيا جدا ، لا تروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث ; كأبي بن كعب ، وأبي الدرداء وأبي طلحة والمقداد . وسرد الباقين مما في بعضه نظر ، وقال : ويمكن أن يجمع من فتيا جميعهم بعد البحث جزء صغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية