الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا لما أرشد الله المؤمنين إلى تناهي مراتب حرمة النبيء - صلى الله عليه وسلم - وتكريمه وحذرهم [ ص: 104 ] مما قد يخفى على بعضهم من خفي الأذى في جانبه بقوله إن ذلكم كان يؤذي النبيء وقوله وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله الآية ، وعلمهم كيف يعاملونه معاملة التوقير والتكريم بقوله ولا مستأنسين لحديث وقوله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما وقوله إن الله وملائكته يصلون على النبيء الآية ، وعلم أنهم قد امتثلوا أو تعلموا أردف ذلك بوعيد قوم اتسموا بسمات المؤمنين وكان من دأبهم السعي فيما يؤذي الرسول - عليه الصلاة والسلام - فأعلم الله المؤمنين بأن أولئك ملعونون في الدنيا والآخرة ليعلم المؤمنين أن أولئك ليسوا من الإيمان في شيء وأنهم منافقون لأن مثل هذا الوعيد لا يعهد إلا للكافرين .

فالجملة مستأنفة استئنافا بيانيا ؛ لأنه يخطر في نفوس كثير ممن يسمع الآيات السابقة أن يتساءلوا عن حال قوم قد علم منهم قلة التحرز من أذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما لا يليق بتوقيره .

وجيء باسم الموصول للدلالة على أنهم عرفوا بأن إيذاء النبيء - صلى الله عليه وسلم - من أحوالهم المختصة بهم ، ولدلالة الصلة على أن أذى النبيء - صلى الله عليه وسلم - هو علة لعنهم وعذابهم .

واللعن : الإبعاد عن الرحمة وتحقير الملعون . فهم في الدنيا محقرون عند المسلمين ومحرومون من لطف الله وعنايته وهم في الآخرة محقرون بالإهانة في الحشر وفي الدخول في النار .

والعذاب المهين : هو عذاب جهنم في الآخرة وهو مهين ؛ لأنه عذاب مشوب بتحقير وخزي .

والقرن بين أذى الله ورسوله للإشارة إلى أن أذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يغضب الله تعالى فكأنه أذى لله .

وفعل ( يؤذون ) معدى إلى اسم الله على معنى المجاز المرسل في اجتلاب غضب الله وتعديته إلى الرسول حقيقة . فاستعمل ( يؤذون ) في معنييه المجازي والحقيقي .

[ ص: 105 ] ومعنى هذا قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - من آذاني فقد آذى الله وأذى الرسول - عليه الصلاة والسلام - يحصل بالإنكار عليه فيما يفعله ، وبالكيد له ، وبأذى أهله مثل المتكلمين في الإفك ، والطاعنين أعماله ، كالطعن في إمارة زيد ، وأسامة ، والطعن في أخذه صفية لنفسه . وعن ابن عباس : أنها نزلت في الذين طعنوا في اتخاذ النبيء - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي لنفسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية