الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر بئر معونة

في هذه السنة في صفر قتل جمع من المسلمين ببئر معونة .

وكان سبب ذلك أن أبا براء بن عازب بن عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة ، سيد بني عامر بن صعصعة ، قدم المدينة وأهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - هدية ، فلم يقبلها وقال : يا أبا براء ، لا أقبل هدية مشرك ، ثم عرض عليه الإسلام فلم يبعد عنه ولم يسلم ، وقال : إن أمرك هذا حسن ، فلو بعثت رجلا من أصحابك إلى أهل نجد يدعوهم إلى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أخشى عليهم أهل نجد . فقال أبو براء : أنا لهم جار .

[ ص: 59 ] فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين رجلا ، فيهم : المنذر بن عمرو الأنصاري المعنق ليموت ، والحارث بن الصمة ، وحرام بن ملحان ، وعامر بن فهيرة ، وغيرهم ، وقيل : كانوا أربعين ، فساروا حتى نزلوا ببئر معونة بين أرض بني عامر وحرة بني سليم ، فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عامر بن الطفيل ، فلما أتاه لم ينظر إلى الكتاب وعدا على حرام فقتله ، فلما طعنه قال : الله أكبر ، فزت ورب الكعبة ! واستصرخ بني عامر ، فلم يجيبوه وقالوا : لن نخفر أبا براء ، فقد أجارهم ، فاستصرخ بني سليم : عصية ورعلا وذكوان ، فأجابوه وخرجوا حتى أحاطوا بالمسلمين ، فقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد الأنصاري ، فإنهم تركوه وبه رمق ، فعاش حتى قتل يوم الخندق .

وكان في سرح القوم عمرو بن أمية ورجل من الأنصار ، فرأيا الطير تحوم على العسكر فقالا : إن لها لشأنا ، فأقبلا ينظران ، فإذا القوم صرعى ، وإذا الخيل واقفة ، فقال عمرو : نلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره الخبر . فقال الأنصاري : لا أرغب بنفسي عن موطن فيه المنذر بن عمرو ، ثم قاتل حتى قتل ، فأخذوا عمرو بن أمية أسيرا . فلما علم عامر أنه من سعد أطلقه ، وخرج عمرو حتى إذا كان بالقرقرة لقي رجلين من بني عامر ، فنزلا معه ومعهما عقد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعلم به عمرو فقتلهما ، ثم أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخبر ، فقال له : لقد قتلت قتيلين لأدينهما . ثم قال رسول الله : هذا عمل أبي براء ، فشق عليه ذلك .

وكان فيمن قتل عامر بن فهيرة ، فكان عامر بن الطفيل يقول : من الرجل منهم لما قتل رفع بين السماء والأرض ؟ قالوا : هو عامر بن فهيرة . وقال حسان بن ثابت يحرض بني أبي البراء على عامر بن الطفيل :

بني أم البنين ألم يرعكم وأنتم من ذوائب أهل نجد تهكم عامر بأبي براء ليخفره وما خطأ كعمد



[ ص: 60 ] في أبيات له . فقال كعب بن مالك :


لقد طارت شعاعا كل وجه     خفارة ما أجار أبو براء



في أبيات أخرى .

فلما بلغ ربيعة بن أبي براء ذلك حمل على عامر بن الطفيل فطعنه ، فخر عن فرسه ، فقال : إن مت فدمي لعمي . وأنزل الله - عز وجل - في أهل بئر معونة قرآنا : بلغوا قومنا عنا أنا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا ورضينا عنه . ثم نسخت .

( معونة بفتح الميم ، وضم العين المهملة ، وبعد الواو نون . وحرام بالحاء المهملة ، والراء . وملحان بكسر الميم ، وبالحاء المهملة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية