الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 18 ] واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا

لما ضمن الله لهن العظمة أمرهن بالتحلي بأسبابها ، والتملي من آثارها ، والتزود من علم الشريعة بدراسة القرآن ليجمع ذلك اهتداءهن في أنفسهن ازديادا في الكمال والعلم ، وإرشادهن الأمة إلى ما فيه صلاح لها من علم النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وفعل اذكرن يجوز أن يكون من الذكر بضم الذال وهو التذكر ، وهذه كلمة جامعة تشمل المعنى الصريح منه ، وهو أن لا ينسين ما جاء في القرآن ولا يغفلن عن العمل به ، ويشمل المعنى الكنائي وهو أن يراد مراعاة العمل بما يتلى في بيوتهن مما ينزل فيها وما يقرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ، وما يبين فيها من الدين ، ويشمل معنى كنائيا ثانيا وهو تذكر تلك النعمة العظيمة أن كانت بيوتهن موقع تلاوة القرآن .

ويجوز أن يكون من الذكر بكسر الذال ، وهو إجراء الكلام على اللسان ، أي بلغنه للناس ، بأن يقرأن القرآن ويبلغن أقوال النبيء - صلى الله عليه وسلم - وسيرته . وفيه كناية عن العمل به . والتلاوة : القراءة ، أي إعادة كلام مكتوب أو محفوظ ، أي ما يتلوه الرسول - صلى الله عليه وسلم - . و ( من آيات الله والحكمة ) : بيان لما يتلى فكل ذلك متلو ، وذلك القرآن ، وقد بين المتلو بشيئين : هما آيات الله ، والحكمة ، فآيات الله يعم القرآن كله ، ؛ لأنه معجز عن معارضته فكان آية على أنه من عند الله .

وعطف والحكمة عطف خاص على عام وهو ما كان من القرآن مواعظ وأحكاما شرعية قال تعالى بعد ذكر الأحكام التي في سورة الإسراء ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ، أي ما يتلى في بيوتهن عند نزوله ، أو بقراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودراستهن القرآن ، ليتجدد ما علمنه ويلمع لهن من أنواره ما هو مكنون لا ينضب معينه ، وليكن مشاركات في تبليغ القرآن وتواتره ولم يزل أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتابعون بعدهم يرجعون إلى أمهات المؤمنين في كثير من أحكام النساء ومن أحكام الرجل مع أهله ، كما في قوله تعالى اذكرني عند ربك ، أي بلغ خبر سجني وبقائي فيه .

[ ص: 19 ] وموقع مادة الذكر هنا موقع شريف لتحملها هذه المحامل ما لا يتحمله غيرها إلا بإطناب . قال ابن العربي : إن الله أمر نبيئه - عليه الصلاة والسلام - بتبليغ ما أنزل إليه فكان إذا قرأ على واحد أو ما اتفق سقط عنه الفرض ، وكان على من تبعه أن يبلغه إلى غيره ولا يلزمه أن يذكره لجميع الصحابة .

وقد تكرر ذكر الحكمة في القرآن في مواضع كثيرة وبيناه في سورة البقرة وتقدم قريبا اختلاف القراء في كسر باء ( بيوت ) أو ضمها .

وجملة إن الله كان لطيفا خبيرا تعليل للأمر وتذييل للجمل السابقة . والتعليل صالح لمحامل الأمر كلها لأن اللطف يقتضي إسداء النفع بكيفية لا تشق على المسدى إليه .

وفيما وجه إلى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأمر والنهي ما هو صلاح لهن وإجراء للخير بواسطتهن ، وكذلك في تيسيره إياهن لمعاشرة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وجعلهن أهل بيوته ، وفي إعدادهن لسماع القرآن وفهمه ، ومشاهدة الهدي النبوي ، كل ذلك لطف لهن هو الباعث إلى ما وجهه إليهن من الخطاب ليتلقين الخبر ويبلغنه ، ولأن الخبير ، أي العليم إذا أراد أن يذهب عنهن الرجس ويطهرهن حصل مراده تاما لا خلل ولا غفلة .

فمعنى الجملة أنه تعالى موصوف باللطف والعلم كما دل عليه فعل ( كان ) فيشمل عموم لطفه بهن وعلمه لطفه بهن وعلمه بما فيه نفعهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية