الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ، هذا العدل الذي ذكر تعالى هنا أنه لا يستطاع هو العدل في المحبة ، والميل الطبيعي ; لأنه ليس تحت قدرة البشر بخلاف العدل في الحقوق الشرعية فإنه مستطاع ، وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله : فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا [ 4 \ 3 ] ، أي : تجوروا في الحقوق الشرعية ، والعرب تقول : عال يعول إذا جار ومال ، وهو عائل ، ومنه قول أبي طالب : [ الطويل ]


                                                                                                                                                                                                                                      بميزان قسط لا يخيس شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل



                                                                                                                                                                                                                                      أي : غير مائل ولا جائر ، ومنه قول الآخر : [ البسيط ]


                                                                                                                                                                                                                                      قالوا تبعنا رسول الله واطرحوا     قول الرسول وعالوا في الموازين



                                                                                                                                                                                                                                      أي : جاروا ، وقول الآخر : [ الوافر ]


                                                                                                                                                                                                                                      ثلاثة أنفس وثلاث ذود     لقد عال الزمان على عيالي



                                                                                                                                                                                                                                      أي : جار ومال ، أما قول أحيحة بن الجلاح الأنصاري : [ الوافر ]


                                                                                                                                                                                                                                      وما يدري الفقير متى غناه     وما يدري الغني متى يعيل



                                                                                                                                                                                                                                      وقول جرير : [ الكامل ]


                                                                                                                                                                                                                                      الله نزل في الكتاب فريضة     لابن السبيل وللفقير العائل


                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : ووجدك عائلا فأغنى [ 93 \ 8 ] ، فكل ذلك من العيلة ، وهي الفقر ، ومنه قوله تعالى : وإن خفتم عيلة الآية [ 9 \ 28 ] ، فعال التي بمعنى جار واوية العين ، والتي بمعنى افتقر يائية العين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشافعي رحمه الله : معنى قوله : ألا تعولوا [ 4 \ 3 ] ، أي : يكثر عيالكم [ ص: 318 ] من عال الرجل يعول إذا كثر عياله ، وقول بعضهم : إن هذا لا يصح وإن المسموع أعال الرجل بصيغة الرباعي على وزن أفعل ، فهو معيل إذا كثر عياله فلا وجه له ; لأن الشافعي من أدرى الناس باللغة العربية ، ولأن عال بمعنى كثر عياله لغة حمير ، ومنه قول الشاعر : [ الوافر ]


                                                                                                                                                                                                                                      وإن الموت يأخذ كل حي     بلا شك وإن أمشى وعالا


                                                                                                                                                                                                                                      يعني : وإن كثرت ماشيته وعياله ، وقرأ الآية طلحة بن مصرف ألا تعيلوا وبضم التاء من أعال إذا كثر عياله على اللغة المشهورة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية