الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 226 ] فصل عن عمران مرفوعا { الحياء لا يأتي إلا بخير ، الحياء خير كله } وعن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء يقول : حتى إنك تستحيي كأنه يقول قد أضر بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان } رواهما أحمد والبخاري ومسلم ، وفي الصحيحين أن عمران لما حدث قال له بشير . بفتح الباء الموحدة والشين المعجمة ابن كعب إنه مكتوب في الحكمة أن منه وقارا ومنه سكينة ، فقال عمران أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحيفتك ؟ ولمسلم أن بشيرا قال إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله ومنه ضعف ، بفتح الضاد وضمها ، فغضب عمران حتى احمرتا عيناه .

وفي بعض النسخ ورواه أبو داود وغيره احمرت وقال ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه ، فأعاد عمران الحديث ، فأعاد بشير فغضب عمران فما زلنا نقول إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به .

وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه } ، وعن أنس مرفوعا { ما كان الفحش في شيء إلا شانه وما كان الحياء في شيء إلا زانه } رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب . وعن أبي هريرة مرفوعا { الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء من النار } رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح ولابن ماجه من حديث أبي بكرة مثله .

وفي الموطأ مرسلا { إن لكل دين خلقا وإن خلق الإسلام الحياء } ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس ومن حديث أنس .

والحياء ممدود الاستحياء قال الواحدي قال أهل اللغة الاستحياء من الحياء ، واستحيا الرجل من قرة الحياء فيه لشدة علمه بمواقع العيب قال غير واحد قد يكون الحياء تخلقا واكتسابا كسائر أعمال [ ص: 227 ] البر وقد يكون غريزة ، واستعماله على مقتضى الشرع يحتاج إلى كسب ونية وعلم وإن حل شيء على ترك الأمر والنهي والإخلال بحق فهو عجز ومهانة ، وتسميته حياء مجاز . وحقيقة الحياء خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح والله أعلم .

وذكر ابن عبد البر عن سليمان عليه السلام الحياء نظام الإيمان فإذا انحل النظام ذهب ما فيه ، وفي التفسير : { ولباس التقوى } .

قالوا الحياء وقالوا الوقار من الله فمن رزقه الله الوقار فقد وسمه بسيما الخير وقالوا من تكلم بالحكمة لاحظته العيون بالوقار وقال الحسن أربع من كن فيه كان كاملا ، ومن تعلق بواحدة منهن كان من صالحي قومه دين يرشده ، وعقل يسدده ، وحسب يصونه ، وحياء يقوده .

وفي الصحيحين أو في الصحيحين عن عائشة قالت رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن ، وأن يتفقهن في الدين ، وقالت أيضا رأس مكارم الأخلاق الحياء وفي الصحيحين عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت } .

وقال حبيب :

إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحي فافعل ما تشاء     فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء     يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء

وقال أبو دلف العجلي :

إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا     ولم ترع مخلوقا فما شئت فاصنع

وقال صالح بن جناح :

إذا قل ماء الوجه قل حياؤه     ولا خير في وجه إذا قل ماؤه

[ ص: 228 ] وقال آخر :

إذا رزق الفتى وجها وقاحا     تقلب في الوجوه كما يشاء

وقال آخر كأنه الفرزدق :

يغضي حياء ويغضى من مهابته     فلا يكلم إلا حين يبتسم

قال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية