الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ القول في تأويل قوله تعالى : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ( 20 ) ) [ ص: 8 ]

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : ( وشروه ) به : وباع إخوة يوسف يوسف .

فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه ، قال : "اشتريته " ، ومنه قول ابن مفرغ الحميري :


وشريت بردا ليتني من قبل برد كنت هامه



يقول : "بعت بردا " ، وهو عبد كان له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18899 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن [ ص: 9 ] مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، أنه كره الشراء والبيع للبدوي . قال : والعرب تقول : "اشر لي كذا وكذا " ، أي : بع لي كذا وكذا وتلا هذه الآية ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) يقول : باعوه ، وكان بيعه حراما .

18900 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إخوة يوسف أحد عشر رجلا باعوه حين أخرجه المدلي بدلوه .

18901 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله .

18902 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد

18903 - وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

18904 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

18905 - . . . . قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ( وشروه ) قال : قال ابن عباس : فبيع بينهم .

18906 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( وشروه بثمن بخس ) قال : باعوه .

18907 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

18908 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فباعه إخوته بثمن بخس .

[ ص: 10 ] وقال آخرون : بل عني بقوله : ( وشروه بثمن بخس ) السيارة أنهم باعوا يوسف بثمن بخس .

ذكر من قال ذلك :

18909 - حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وشروه بثمن بخس ) وهم السيارة الذين باعوه .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : تأويل ذلك : وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس وذلك أن الله عز وجل قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسروا شراء يوسف من أصحابهم ، خيفة أن يستشركوهم ، بادعائهم أنه بضاعة . ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلص لهم دونهم ، واسترخاصا لثمنه الذي ابتاعوه به ، لأنهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه ( بثمن بخس ) . ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين ، لم يكن لقيلهم لرفقائهم : "هو بضاعة " ، معنى ولا كان لشرائهم إياه ، وهم فيه من الزاهدين وجه ، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبا على عقولهم ; لأنه محال أن يشتري صحيح العقل ما هو فيه زاهد من غير إكراه مكره له عليه ، ثم يكذب في أمره الناس بأن يقول : "هو بضاعة لم أشتره " ، مع زهده فيه . بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنين لنفاستها عنده ، ولما يرجو من نفيس الثمن لها وفضل الربح .

وأما قوله : ( بخس ) فإنه يعني : نقص .

وهو مصدر من قول القائل : "بخست فلانا حقه : " إذا ظلمته ، يعني : ظلمه فنقصه عما يجب له من الوفاء : "أبخسه بخسا " ، ومنه قوله : [ ص: 11 ] ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) [ سورة هود : 85 ] ، وإنما أريد : بثمن مبخوس منقوص ، فوضع "البخس " وهو مصدر مكان "مفعول " ، كما قيل : ( بدم كذب ) وإنما هو "بدم مكذوب فيه " .

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم : قيل ( بثمن بخس ) لأنه كان حراما عليهم .

ذكر من قال ذلك :

18910 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر عن الضحاك : ( وشروه بثمن بخس ) قال : "البخس : " الحرام .

[ ص: 12 ] 18911 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن جويبر ، عن الضحاك : : ( وشروه بثمن بخس ) ، قال : حرام .

18912 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : كان ثمنه بخسا ، حراما ، لم يحل لهم أن يأكلوه .

18913 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( وشروه بثمن بخس ) قال : باعوه بثمن بخس ، قال : كان بيعه حراما وشراؤه حراما .

18914 - حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : ( بثمن بخس ) قال : حرام .

18915 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( بثمن بخس ) يقول : لم يحل لهم أن يأكلوا ثمنه .

وقال آخرون : معنى البخس هنا : الظلم .

ذكر من قال ذلك :

18916 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وشروه بثمن بخس ) قال : " البخس : " هو الظلم . وكان بيع يوسف وثمنه حراما عليهم

18917 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال قتادة : ( وشروه بثمن بخس ) قال : ظلم .

وقال آخرون : عني بالبخس في هذا الموضع : القليل .

ذكر من قال ذلك :

18918 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن قيس ، عن جابر ، عن عكرمة ، قال : "البخس : " القليل .

18919 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن عكرمة ، مثله .

قال أبو جعفر : وقد بينا الصحيح من القول في ذلك .

وأما قوله ( دراهم معدودة ) ، فإنه يعني عز وجل أنهم باعوه بدراهم غير [ ص: 13 ] موزونة ، ناقصة غير وافية ، لزهدهم كان فيه .

وقيل : إنما قيل "معدودة " ليعلم بذلك أنها كانت أقل من الأربعين ، لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقل من أربعين درهما ، لأن أقل أوزانهم وأصغرها كان الأوقية ، وكان وزن الأوقية أربعين درهما . قالوا : إنما دل بقوله : ( معدودة ) على قلة الدراهم التي باعوه بها .

فقال بعضهم : كان عشرين درهما .

ذكر من قال ذلك :

18920 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : إن ما اشتري به يوسف عشرون درهما .

18921 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) قال : عشرون درهما .

18922 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف البكالي ، في قوله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) قال : عشرون درهما .

18923 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف الشامي : "بخس دراهم " قال : كانت عشرين درهما .

[ ص: 14 ] 18924 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن نوف ، مثله .

18925 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله : ( بثمن بخس دراهم معدودة ) قال : عشرون درهما .

18926 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( دراهم معدودة ) قال : كانت عشرين درهما .

18927 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أنه بيع بعشرين درهما ( وكانوا فيه من الزاهدين ) .

18928 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

18929 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي إدريس ، عن عطية ، قال : كانت الدراهم عشرين درهما ، اقتسموها درهمين درهمين .

وقال آخرون : بل كان عددها اثنين وعشرين درهما ، أخذ كل واحد من إخوة يوسف ، وهم أحد عشر رجلا درهمين درهمين منها .

ذكر من قال ذلك :

18930 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( دراهم معدودة ) قال : اثنين وعشرين درهما .

18931 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( دراهم معدودة ) قال : [ ص: 15 ] اثنان وعشرون درهما لإخوة يوسف ، [ وكان إخوة ] أحد عشر رجلا .

18932 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( دراهم معدودة )

18933 - . . . . قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

18934 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

وقال آخرون : بل كانت أربعين درهما .

ذكر من قال ذلك :

18935 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن عكرمة : ( دراهم معدودة ) قال : أربعين درهما .

18936 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : باعوه ولم يبلغ ثمنه الذي باعوه به أوقية ، وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمان بالأواقي ، فما قصر عن الأوقية فهو عدد ; يقول الله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) أي لم يبلغ الأوقية .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعوه بدراهم معدودة غير موزونة ، ولم يحد مبلغ ذلك بوزن ولا عدد ، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد يحتمل أن يكون كان عشرين ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين وأن يكون كان أربعين ، وأقل من ذلك وأكثر ، وأي ذلك كان ، فإنها كانت معدودة [ ص: 16 ] غير موزونة ; وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين ، ولا في الجهل به دخول ضر فيه . والإيمان بظاهر التنزيل فرض ، وما عداه فموضوع عنا تكلف علمه .

وقوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين ) يقول تعالى ذكره : وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين ، لا يعلمون كرامته على الله ، ولا يعرفون منزلته عنده ، فهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بينه وبين والده ، ليخلو لهم وجهه منه ، ويقطعوه عن القرب منه ، لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم ، مصروفة إليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18937 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي مرزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( وكانوا فيه من الزاهدين ) قال : لم يعلموا بنبوته ومنزلته من الله .

18938 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، في قوله : ( وجاءت سيارة ) فنزلت على الجب ، ( فأرسلوا واردهم ) فاستقى من الماء فاستخرج يوسف ، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه ، فزهدوا فيه ، فباعوه . وكان بيعه حراما ، وباعوه بدراهم معدودة .

18939 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني هشيم ، قال : [ ص: 17 ] أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : ( وكانوا فيه من الزاهدين ) قال : إخوته زهدوا ، فلم يعلموا منزلته من الله ونبوته ومكانه .

18940 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : إخوته زهدوا فيه ، لم يعلموا منزلته من الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية