الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 379 ] سورة الزلزلة اختلف العلماء في هذه السورة ; فمنهم من قال : [ إنها مكية ، ومنهم من قال ] : إنها مدنية : وفضلها كثير ، وتحتوي على عظيم ; قال إبراهيم التميمي : لقد أدركت سبعين شيخا في مسجدنا هذا ، أصغرهم الحارث بن سويد ، وسمعته يقرأ : { إذا زلزلت الأرض } ، حتى إذا بلغ إلى قوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } بكى ثم قال : إن هذه لإحكام شديد .

                                                                                                                                                                                                              ولقد روى العلماء الأثبات أن { هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يأكل ; فأمسك ; فقال ; يا رسول الله ; أوإنا لنرى ما عملنا من خير وشر ؟ قال : أرأيت ما تكره فهو مثاقيل ذر الشر ، ويدخر لكم مثاقيل ذر الخير حتى تعطوه يوم القيامة } .

                                                                                                                                                                                                              قال أبو إدريس : إن مصداقه من كتاب الله : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } .

                                                                                                                                                                                                              وروى القاضي أبو إسحاق أن { النبي صلى الله عليه وسلم دفع رجلا إلى رجل يعلمه حتى إذا بلغ : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } قال : حسبي . قال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه ، فإنه قد فقه } .

                                                                                                                                                                                                              وروى كعب الأحبار أنه قال : لقد أنزل الله على محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل ألا تجدون : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } قال جلساؤه : بلى . قال : فإنهما قد أحصتا ما في التوراة والإنجيل . وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 380 ] وقد تقدم حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { الخيل ثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر } وذكر الحديث إلى قوله : { فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر ، فقال : ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } } .

                                                                                                                                                                                                              وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية القائلون بالعموم ومن لم يقل به ، وقد بين ما فسرنا به أن الرؤية قد تكون في الدنيا بالبلاء كما تكون في الآخرة بالجزاء ، وقد بينا ذلك في كتاب المشكلين .

                                                                                                                                                                                                              قال القاضي : وقد سردنا من القول في هذه السورة ما سردنا ، وحديث أبي هريرة هذا قد بيناه في شرح الحديث ، ومن تمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الحمر ، وسكت عن البغال ، والجواب فيهما واحد ; لأن البغل والحمار لا كر فيهما ولا فر . فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما في الخيل من الأجر الدائم والثواب المستمر سأل السائل عن الحمر لأنهم لم يكن عندهم يومئذ بغل ، ولا دخل الحجاز منها [ شيء ] إلا بغلة النبي صلى الله عليه وسلم [ الدلدل ] التي أهداها له المقوقس ، فأفتاه في الحمير بعموم الآية ، وإن في الحمار مثاقيل ذر كثيرة .

                                                                                                                                                                                                              وقد بينا في سورة آل عمران وجه هذا الدليل ونوعه ، وأنه من باب القياس أو غيره وتحقيقه في كتب الأصول .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية