الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يقول الكافرون هذا يوم عسر .

                                                                                                                                                                                                                                      قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا [ 25 \ 24 ] ، وفي سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [ 22 \ 47 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ هذا الحرف ابن عامر : ففتحنا بتشديد التاء للتكثير ، وباقي السبعة بتخفيفها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن نبيه نوحا دعاه قائلا : إن قومه غلبوه [ ص: 477 ] سائلا ربه أن ينتصر له منهم ، وأن الله انتصر له منهم ، فأهلكهم بالغرق ، لأنه تعالى فتح أبواب السماء بماء منهمر أي متدفق منصب بكثرة وأنه تعالى فجر الأرض عيونا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : عيونا ، تمييز محول عن المفعول ، والأصل فجرنا عيون الأرض . والتفجير : إخراج الماء منها بكثرة ، و " أل " في قوله : فالتقى الماء للجنس ، ومعناه التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدر ، أي قدره الله وقضاه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن معناه أن الماء النازل من السماء والمتفجر من الأرض جعلهما الله بمقدار ليس أحدهما أكثر من الآخر . والأول أظهر .

                                                                                                                                                                                                                                      وما تضمنته هذه الآية الكريمة من دعاء نوح ربه - جل وعلا - أن ينتصر له من قومه فينتقم منهم ، وأن الله أجابه فانتصر له منهم فأهلكهم جميعا بالغرق في هذا الماء المتلقى من السماء والأرض - جاء موضحا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأنبياء : ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين [ 21 \ 76 - 77 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى في الصافات : ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم إلى قوله : ثم أغرقنا الآخرين [ 37 \ 75 - 82 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بين - جل وعلا - أن دعاء نوح فيه سؤاله الله أن يهلكهم إهلاكا مستأصلا . وتلك الآيات فيها بيان لقوله هنا : فانتصر وذلك كقوله تعالى : وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [ 71 \ 26 - 27 ] ، وما دعا نوح على قومه إلا بعد أن أوحى الله إليه أنه لا يؤمن منهم أحد غير القليل الذي آمن ، وذلك في قوله تعالى : وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن [ 11 \ 36 ] ، وقد قال تعالى : وما آمن معه إلا قليل [ 11 \ 40 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : عيونا قرأه ابن كثير ، وابن عامر في رواية ابن ذكوان ، وعاصم في رواية شعبة ، وحمزة ، والكسائي : " عيونا " بكسر العين لمجانسة الياء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر في رواية هشام ، وعاصم في رواية حفص " عيونا " بضم العين على الأصل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية