الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 391 ] ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت بيوم الجمعة ، والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ، ومنعه من الاجتماع بالناس ، ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري ، والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها ، سوى كاتب السر ، فإنه علم الدين بن القطب ، ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك بن ششنكير ، ووالي المدينة حسام الدين طرنطاي الجوكنداري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الأخبار بأن علي باشا كسر جيشه ، وقيل : إنه قتل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج; من موت الجمال ، وإلقاء الأحمال ، ومشي كثير من النساء والرجال ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله على كل حال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أواخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد ، والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي ، وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي ، فأقاموا ثلاثة أيام ، ثم توجهوا إلى مصر ، فحصل لهم قبول تام من السلطان ، فاستقضى الأول على الحنفية كما سيأتي ، [ ص: 392 ] واستوزر الثاني ، وأمر الثالث .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم عاشوراء أحضر شمس الدين محمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن اللبان الفقيه الشافعي - إلى مجلس الحكم الجلالي ، وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله ، ومجد الدين الأقصرائي شيخ الشيوخ ، وشمس الدين الأصبهاني ، فادعي عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد ، والغلو في القرمطة ، وغير ذلك ، فأقر ببعضها ، فحكم بحقن دمه ، ثم توسط في أمره ، وأبقيت عليه جهاته ، ومنع من الكلام على الناس ، وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم ، أتلف دورا ودكاكين عديدة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الأول ولد للسلطان ولد ، فدقت البشائر ، وزينت البلد أياما . وفي منتصف ربيع الآخر أمر الأمير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه ، وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، رحمه الله ، وله مقاصد حسنة صالحة ، وهو في نفسه رجل جيد . وأفرج عن الخليفة المستكفي بالله ، وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الأول ، ولزم بيته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة عشرين جمادى الآخرة أقيمت الجمعة في جامعين بمصر ، أحدهما أنشأه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري ، مات بعد ذلك [ ص: 393 ] باثني عشر يوما ، رحمه الله ، والآخر أنشأته امرأة يقال لها : الست حدق - دادة السلطان الناصر - عند قنطرة السباع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس ، وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي . وفيه خلع على القاضي عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر ، وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الآبار بالحسبة بالقاهرة ، مع ما بيده من نظر الأوقاف وغيره . وفيه أمر الأمير ناصر الدين ناظر القدس بطبلخاناه ، ثم عاد إلى القدس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق ، سائرتان إلى بلاد سيس ، وفيهم علاء الدين ، فاجتمع به أهل العلم ، وهو من أفاضل الحنفية ، وله مصنفات في الحديث وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال ، وأميره بهادر قبجق ، وقاضيه محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية ، وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ ، وعماد الدين بن الشيرازي ، ونجم الدين الطرسوسي ، وجمال الدين المرداوي ، وصاحبه شمس الدين بن مفلح ، والصدر المالكي ، والشرف بن القيسراني ، والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم ، وجمال الدين بن الشهاب محمود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 394 ] وفي ذي القعدة وصلت الأخبار بأن الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع ، وحصل لهم خير كثير ، ولله الحمد ، وفرح المسلمون بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار ، انتصر فيها الشيخ حسن وذووه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي التاسع عشر من ذي الحجة نفى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه - وكانوا قريبا من مائة نفس - إلى بلاد قوص ، ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية