الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال فإن قعد أمر بالقيام

                                                                                                                                                                                                        1248 حدثنا مسلم يعني ابن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال ) كأنه أشار بهذا إلى ترجيح رواية من روى في حديث الباب : " حتى توضع بالأرض " . على رواية من روى : " حتى توضع في اللحد " . وفيه اختلاف على سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، قال أبو داود : " رواه أبو معاوية ، عن سهيل ، فقال : " حتى توضع في اللحد " . وخالفه الثوري ، وهو أحفظ ، فقال : " في الأرض " . انتهى ، ورواه جرير ، عن سهيل ، فقال : " حتى توضع " . حسب . وزاد : " قال سهيل : ورأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال " . أخرجه أبو نعيم في المستخرج بهذه الزيادة ، وهو في مسلم بدونها ، وفي المحيط للحنفية : الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب ، وحجتهم رواية أبي معاوية ، ورجح الأول عند البخاري بفعل أبي صالح ، لأنه راوي الخبر ، وهو أعرف بالمراد منه ، ورواية أبي معاوية مرجوحة كما قال أبو داود .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن قعد أمر بالقيام ) فيه إشارة إلى أن القيام في هذا لا يفوت بالقعود ، لأن المراد به تعظيم أمر الموت ، وهو لا يفوت بذلك . وأما قول المهلب : قعود أبي هريرة ، ومروان يدل على أن القيام ليس بواجب ، وأنه ليس عليه العمل ، فإن أراد أنه ليس بواجب عندهما فظاهر ، وإن أراد في نفس الأمر فلا دلالة فيه على ذلك . ويدل على الأول ما رواه الحاكم من طريق العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فساق نحو القصة المذكورة ، وزاد : " إن مروان لما قال له أبو سعيد : قم قام ، ثم قال له : لم أقمتني ؟ فذكر الحديث . فقال لأبي هريرة : فما منعك أن تخبرني ؟ قال : كنت إماما فجلست " . فعرف بهذا أن أبا هريرة لم يكن يراه واجبا ، وأن مروان لم يكن يعرف حكم المسألة قبل ذلك ، وأنه بادر إلى العمل بها بخبر أبي سعيد . وروى الطحاوي من طريق الشعبي ، عن أبي سعيد قال : مر على مروان بجنازة فلم يقم ، فقال له أبو سعيد : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت عليه جنازة فقام ، فقام مروان . وأظن هذه الرواية مختصرة من القصة . وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أكثر الصحابة والتابعين باستحبابه كما نقله ابن المنذر ، وهو قول [ ص: 214 ] الأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، ومحمد بن الحسن ، وروى البيهقي من طريق أبي حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة ، وابن عمر وغيرهما أن القائم مثل الحامل ، يعني في الأجر . وقال الشعبي ، والنخعي : يكره القعود قبل أن توضع . وقال بعض السلف : يجب القيام ، واحتج له برواية سعيد ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد قالا : ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط ، فجلس حتى توضع . أخرجه النسائي .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيهان ) : ( الأول ) : قال الزين بن المنير : إنما نوع هذه التراجم مع إمكان جمعها في ترجمة واحدة للإشارة إلى الاعتناء بها وما يختص كل طريق منها بحكمة ، ولأن بعض ذلك وقع فيما ليس على شرطه فاكتفى بذكره في الترجمة لصلاحيته للاستدلال . ( الثاني ) : قال ثبت بين حديثي الباب ترجمة لفظها : " باب من تبع جنازة " . وجد ذلك في نسخة محررة مسموعة ، فإن سقطت في غيرها قدم من أثبت على من نفى ، قال : وإنما لم يستغن عنها بما قبلها لتصريحه في الخبر بأنهما جلسا قبل أن توضع ، وأطال في تقرير ذلك ، وأن ذكرها أولى من حذفها . وهو عجيب منه فإن الذي تضمنه الحديث الثاني من الزيادة قد اشتملت عليه الترجمة الأولى ، وليس في الترجمة زيادة على ما في الحديثين إلا قوله : " عن مناكب الرجال " . وقد ذكرت من وقعت في روايته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا مسلم ) هو ابن إبراهيم ، وهشام هو الدستوائي ، ويحيى هو ابن أبي كثير ، وحديث أبي سعيد هذا أبين سياقا من حديث عامر بن ربيعة ، وهو يوضح أن المراد بالغاية المذكورة من كان معها أو مشاهدا لها ، وأما من مرت به فليس عليه من القيام إلا قدر ما تمر عليه ، أو توضع عنده بأن يكون بالمصلى مثلا . وروى أحمد من طريق سعيد بن مرجانة ، عن أبي هريرة مرفوعا : من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه ، وإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع . وفي هذا السياق بيان لغاية القيام ، وأنه لا يختص بمن مرت به ، ولفظ القيام يتناول من كان قاعدا ، فأما من كان راكبا فيحتمل أن يقال : ينبغي له أن يقف ، ويكون الوقوف في حقه كالقيام في حق القاعد ، واستدل بقوله : " فإن لم يكن معها " على أن شهود الجنازة لا يجب على الأعيان .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية