الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن الحد لا يجب بالتهم وأنه يسقط بالشبهات 3112 - ( عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته ، فقال شداد بن الهاد : هي المرأة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها قال : لا ، تلك امرأة كانت قد أعلنت في الإسلام } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            3113 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها } . رواه ابن ماجه . واحتج به من لم يحد المرأة بنكولها عن اللعان ) .

                                                                                                                                            [ ص: 124 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            [ ص: 124 ] حديث ابن عباس الثاني إسناده في سنن ابن ماجه هكذا : حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي قال : حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد قال : حدثني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي الأسود عن عروة عن ابن عباس فذكره ، والعباس صدوق وزيد بن يحيى ثقة وبقية رجال الإسناد رجال الصحيح . وقد ورد بألفاظ منها ما ذكره المصنف ومنها ألفاظ أخر ، وفي بعضها أنها لما أتت بالولد على النعت المكروه قال صلى الله عليه وسلم : { لولا الأيمان لكان لي ولها شأن } أخرجه أحمد وأبو داود من حديثه ، ولفظ البخاري : { لولا ما مضى من كتاب الله } . وقد تقدم في اللعان ما قاله صلى الله عليه وسلم في شأن الولد الذي كان في بطن المرأة وقت اللعان فإنه قال : { إن أتت به على الصفة الفلانية فهو لشريك ابن سحماء وإن أتت به على الصفة الفلانية فهو لزوجها هلال بن أمية }

                                                                                                                                            قوله : فقال شداد بن الهاد في الفتح في كتاب اللعان : إن السائل هو عبيد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس قال : سماه أبو الزناد عن القاسم بن محمد في هذا الحديث كما في كتاب الحدود من صحيح البخاري . قوله : ( كانت قد أعلنت في الإسلام ) في لفظ للبخاري : " كانت تظهر في الإسلام السوء " أي : كانت تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف كما تقدم في اللعان . قال الداودي : فيه جواز عيب من يسلك مسالك السوء . وتعقب بأن ابن عباس لم يسمها ، فإن أراد إظهار العيب على العموم فمحتمل . وقد استدل المصنف رحمه اللهبقوله صلى الله عليه وسلم : { لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها } على أنه لا يجب الحد بالتهم ، ولا شك أن إقامة الحد إضرار بمن لا يجوز الإضرار به وهو قبيح عقلا وشرعا فلا يجوز منه إلا ما أجازه الشارع كالحدود والقصاص وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين ; لأن مجرد الحدس والتهمة والشك مظنة للخطإ والغلط ، وما كان كذلك فلا يستباح به تأليم المسلم وإضراره بلا خلاف

                                                                                                                                            3114 - ( وعن أبي هريرة قال { : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا } . رواه ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            3115 - ( وعن عائشة قالت { : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة } . رواه الترمذي وذكر أنه قد روي موقوفا ، وأن الوقف أصح . قال : وقد روي عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم [ ص: 125 ] قالوا مثل ذلك ) . حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف لأنه من طريق إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف .

                                                                                                                                            وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كما قال الترمذي وقال البخاري فيه : إنه منكر الحديث . وقال النسائي متروك انتهى . والصواب الموقوف كما في رواية وكيع . قال البيهقي : رواية وكيع أقرب إلى الصواب . قال : ورواه رشدين عن عقيل عن الزهري ورشدين ضعيف ، وفي الباب عن علي مرفوعا { ادرءوا الحدود بالشبهات } وفيه المختار بن نافع ، قال البخاري وهو منكر الحديث ، قال : وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود : قال { ادرءوا الحدود بالشبهات ، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم } وروي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضا موقوفا ، وروي منقطعا وموقوفا على عمر . ورواه ابن حزم في كتاب الاتصال عن عمر موقوفا عليه قال الحافظ : وإسناده صحيح . ورواه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي عن عمر بلفظ : " لأن أخطئ في الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات " .

                                                                                                                                            وفي مسند أبي حنيفة للحارثي من طريق مقسم عن ابن عباس مرفوعا بلفظ : { ادرءوا الحدود بالشبهات } وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد من عضده ما ذكرناه فيصلح بعد ذلك للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهة . وقد أخرج البيهقي وعبد الرزاق عن عمر أنه عذر رجلا زنى في الشام وادعى الجهل بتحريم الزنا . وكذا روي عنه وعن عثمان أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية وادعت أنها لم تعلم التحريم

                                                                                                                                            3116 - ( وعن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب : { كان فيما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد الرجم في كتاب الله تعالى فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف . } رواه الجماعة إلا النسائي )

                                                                                                                                            قوله : ( آية الرجم ) هي : " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة " . وقد قدمنا [ ص: 126 ] الكلام على ذلك في أول كتاب الحدود ، وهذه المقالة وقعت من عمر لما صدر من الحج وقدم المدينة . قوله ( فأخشى إن طال بالناس زمان . . . إلخ ) قد وقع ما خشيه رضي الله عنه حتى أفضى ذلك إلى أن الخوارج وبعض المعتزلة أنكروا ثبوت مشروعية الرجم كما سلف . وقد أخرج عبد الرزاق والطبراني عن ابن عباس أن عمر قال : " سيجيء أقوام يكذبون بالرجم " .

                                                                                                                                            وفي رواية للنسائي : { وإن ناسا يقولون : ما بال الرجم فإن ما في كتاب الله تعالى الجلد } وهذا من المواطن التي وافق حدس عمر فيها الصواب . وقد وصفه صلى الله عليه وسلم بارتفاع طبقته في ذلك الشأن كما قال : " إن يكن في هذه الأمة محدثون فمنهم عمر "

                                                                                                                                            قوله : ( إذا قامت البينة ) أي شهادة أربعة شهود ذكور بالإجماع . قوله : ( أو كان الحبل ) بفتح المهملة والموحدة وفي رواية " الحمل " . وقد استدل بذلك من قال : إن المرأة تحد إذا وجدت حاملا ولا زوج لها ولا سيد ولم تذكر شبهة ، وهو مروي عن عمر ومالك وأصحابه . قالوا : إذا حملت ولم يعلم لها زوج ولا عرفنا إكراها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة وتدعي أنه من زوج أو سيد . وذهب الجمهور إلى أن مجرد الحبل لا يثبت به الحد بل لا بد من الاعتراف أو البينة ، واستدلوا بالأحاديث الواردة في درء الحدود بالشبهات

                                                                                                                                            والحاصل أن هذا من قول عمر ومثل ذلك لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى هلاك النفوس ، وكونه قاله في مجمع من الصحابة ولم ينكر عليه لا يستلزم أن يكون إجماعا كما بينا ذلك في غير موضع من هذا الشرح ; لأن الإنكار في مسائل الاجتهاد غير لازم للمخالف ، ولا سيما والقائل بذلك عمر وهو بمنزلة من المهابة في صدور الصحابة وغيرهم ، اللهم إلا أن يدعى أن قوله : إذا قامت البينة وكان الحبل أو الاعتراف من تمام ما يرويه عن كتاب الله تعالى ولكنه خلاف الظاهر ; لأن الذي كان في كتاب الله هو ما أسلفنا في أول كتاب الحدود . وقد أجاب الطحاوي بتأويل ذلك على أن المراد أن الحبل إذا كان من زنا وجب فيه الرجم ، ولا بد من ثبوت كونه من زنا . وتعقب بأنه يأبى ذلك جعل الحبل مقابلا للبينة والاعتراف . قوله : ( أو الاعتراف ) قد تقدم الخلاف في مقداره وما هو الحق .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية