الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله - تعالى - : له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .

                                                                                                                                                                                                                                      مقاليد السموات والأرض هي مفاتيحهما ، وهو جمع لا واحد له من لفظه ، فمفردها إقليد ، وجمعها مقاليد على غير قياس ، والإقليد المفتاح . وقيل : واحدها مقليد ، وهو قول غير معروف في اللغة .

                                                                                                                                                                                                                                      وكونه - جل وعلا - له مقاليد السماوات والأرض أي مفاتيحهما ، كناية عن كونه - جل وعلا - هو وحده المالك لخزائن السماوات والأرض ; لأن ملك مفاتيحها يستلزم ملكها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر - جل وعلا - مثل هذا في سورة " الزمر " في قوله - تعالى - : الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السماوات والأرض الآية [ 39 \ 62 - 63 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وما دلت عليه آية " الشورى " هذه وآية " الزمر " المذكورتان من أنه - جل وعلا - هو مالك خزائن السماوات والأرض ، جاء موضحا في آيات أخر ، كقوله - تعالى - : ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون [ 63 \ 7 ] . وقوله - تعالى - : وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم [ 15 \ 21 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 60 ] وبين في مواضع أخر أن خزائن رحمته لا يمكن أن تكون لغيره ، كقوله - تعالى - : أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب [ 38 \ 9 ] . وقوله - تعالى - أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون [ 52 \ 37 ] . وقوله - تعالى - قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا [ 17 \ 100 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في هذه الآية الكريمة : يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر جاء معناه موضحا في آيات أخر ، كقوله - تعالى - : قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له الآية [ 34 \ 39 ] . وقوله - تعالى - : قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ 34 \ 36 ] . وقوله - تعالى - : الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا الآية [ 13 \ 26 ] . وقوله - تعالى - : والله فضل بعضكم على بعض في الرزق الآية [ 16 \ 71 ] . وقوله - تعالى - : نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا الآية [ 43 \ 32 ] . وقوله - تعالى - : إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما الآية [ 4 \ 135 ] . وقوله - تعالى - : لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله الآية [ 65 \ 7 ] . وقوله - تعالى - : ومن قدر عليه رزقه [ 65 \ 7 ] أي ضيق عليه رزقه لقلته . وكذلك قوله : يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر في الآيات المذكورة .

                                                                                                                                                                                                                                      أي يبسط الرزق لمن يشاء بسطه له ويقدر ، أي يضيق الرزق على من يشاء تضييقه عليه ، كما أوضحناه في سورة " الأنبياء " في الكلام على قوله - تعالى - : فظن أن لن نقدر عليه [ 21 \ 87 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بين - جل وعلا - في بعض الآيات حكمة تضييقه للرزق على من ضيقه عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر أن من حكم ذلك أن بسط الرزق للإنسان ، قد يحمله على البغي والطغيان ، كقوله - تعالى - : ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير [ 42 \ 27 ] . وقوله - تعالى - : كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى [ 96 \ 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية