الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        كتاب العتق

                                                                                                                                                                        تظاهرت النصوص والإجماع على أنه قربة ، ويصح من كل مالك مطلق لا يصادف إعتاقه متعلق حق لازم لغيره ، فلا يصح إعتاق غير مالك إلا بوكالة أو ولاية ، ولا إعتاق صبي ومجنون ومحجور عليه بسفه . وفي المحجور لفلس والراهن والعبد الجاني خلاف سبق في التفليس والرهن والبيع ، والمريض مرض الموت يعتبر إعتاقه من الثلث ، ولا يصح إعتاق الموقوف عليه الموقوف ، ويصح إعتاق الذمي والحربي . وإذا أسلم عتيق الكافر ، فولاؤه ثابت عليه .

                                                                                                                                                                        ويصح العتق بالصريح والكناية ، أما الصريح ، فالتحرير والإعتاق صريحان ، فإذا قال له : أنت حر ، أو محرر ، أو أحررتك ، أو أنت عتيق ، أو معتق ، أو أعتقتك ، عتق . وإن لم ينو ، ولا أثر للخطأ في التذكير والتأنيث ، بأن يقول للعبد : أنت حرة ، أو للأمة : أنت حر . وفك الرقبة صريح على الأصح . والكناية كقوله : لا ملك لي عليك ، أو لا [ ص: 108 ] سبيل ، أو لا سلطان ، أو لا يد ، أو لا أمر ، أو لا خدمة ، أو أزلت ملكي عنك ، أو حرمتك ، أو أنت سائبة ، أو أنت لله . وصرائح الطلاق وكناياته كلها كنايات في العتق . وقوله : أنت علي كظهر أمي كناية على الأصح ، لاقتضائه التحريم ، كقوله : حرمتك . ولو قال : وهبتك نفسك ، ونوى العتق ، عتق . فإن نوى التمليك ، فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في قوله : بعتك نفسك . ولو كانت أمته تسمى قبل جريان الرق عليها حرة ، فقال لها : يا حرة ، فإن لم يخطر له النداء باسمها القديم ، عتقت ، وإن قصد نداءها ، لم تعتق على الأصح ، وقيل : تعتق ; لأنه صريح . ولو كان اسمها في الحال حرة ، أو اسم العبد حر أو عتيق ، فإن قصد النداء ، لم يعتق . وكذا إن أطلق على الأصح .

                                                                                                                                                                        وفي فتاوى الغزالي : أنه لو اجتاز بالمكاس ، فخاف أن يطالبه بالمكس عن عبده ، فقال : إنه حر ليس بعبد ، وقصد الإخبار ، لم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى ، وهو كاذب في خبره . ومقتضى هذا أنه لا يقبل ظاهرا وأنه لو قال : افرغ من هذا العمل قبل العشاء ، وأنت حر ، وقال : أردت : حر من العمل ، دين ، ولا يقبل ظاهرا . وأنه لو زاحمته امرأة في طريق ، فقال : تأخري يا حرة ، فبانت أمته ، لم تعتق . ولو قال لعبد : يا مولاي ، فكناية ، ولو قال له : يا سيدي ، فقال القاضي حسين والغزالي : هو لغو . قال الإمام : الذي أراه أنه كناية .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لعبد غيره : أنت حر ، فهذا إقرار بحريته ، وهو باطل في الحال . فلو ملكه حكمنا بعتقه مؤاخذة له بإقراره . ولو قال لعبد الغير : قد أعتقتك ، قال الغزالي : إن ذكره في معرض الإنشاء ، فلغو ، [ ص: 109 ] أو في معرض الإقرار ، فيؤاخذ به إن ملكه . وقال القاضي حسين : هو إقرار ; لأن " قد " يؤكد معنى المضي في الفعل الماضي . قال الإمام : ومقتضى كلامه أن قوله : أعتقك بلا " قد " لا يكون إقرارا وإن كانت الصيغة في الوضع للماضي ، قال : وعندي لا فرق بينهما . والوجه أن يراجع ويحكم بموجب قوله ، فإن لم يفسر ، ترك ، وينبغي أن لا فرق بين قوله : أنت حر ، وقوله : أعتقتك .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية