الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 667 ] 412

ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

ذكر الخطبة لمشرف الدولة ببغداذ وقتل وزيره أبي غالب

في هذه السنة ، في المحرم ، قطعت خطبة سلطان الدولة من العراق ، وخطب لمشرف الدولة ، فطلب الديلم من مشرف الدولة أن ينحدروا إلى بيوتهم بخوزستان ، فأذن لهم وأمر وزيره أبا غالب بالانحدار معهم ، فقال له : إني إن فعلت خاطرت بنفسي ، ولكن أبذلها في خدمتك .

ثم انحدر في العساكر ، فلما وصل إلى الأهواز نادى الديلم بشعار سلطان الدولة ، وهجموا على أبي غالب فقتلوه ، فسار الأتراك الذين كانوا معه إلى طراد بن دبيس الأسدي بالجزيرة التي لبني دبيس ، ولم يقدروا [ أن ] يدفعوا عنه ، فكانت وزارته ثمانية عشر شهرا وثلاثة أيام ، وعمره ستين سنة وخمسة أشهر ، فأخذ ولده أبو العباس ، وصودر على ثلاثين ألف دينار . فلما بلغ سلطان الدولة قتله اطمأن ، وقويت نفسه ، وكان قد خافه ، وأنفذ ابنه أبا كاليجار إلى الأهواز فملكها .

ذكر وفاة صدقة صاحب البطيحة

في هذه السنة مرض صدقة صاحب البطيحة ، فقصدها أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين ، في صفر ، ليملكها ، وكان أبو الهيجاء بعد موت أبيه قد تمزق في البلاد ; تارة بمصر ، وتارة عند بدر بن حسنويه ، وتارة بينهما ، فلما ولي الوزير أبو غالب أنفق عليه لأدب كان فيه ، فكاتبه بعض أهل البطيحة ليسلموا إليه فسار إليهم [ ص: 668 ] فسمع به صدقة قبل موته بيومين ، فسير إليه جيشا فقاتلوه فانهزم أبو الهيجاء وأخذ أسيرا فأراد استبقاءه فمنعه سابور بن المرزبان بن مروان وقتله بيده .

ثم توفي صدقة ، بعد قتله ، في صفر فاجتمع أهل البطيحة على ولاية سابور بن المرزبان فوليهم وكتب إلى مشرف الدولة يطلب أن يقرر عليه ما كان على صدقة من الحمل ، ويستعمل على البطيحة فأجابه إلى ذلك ، وزاد في القرار عليه واستقر في الأمر .

ثم إن أبا نصر شيراز بن الحسن بن مروان زاد في المقاطعة ، فلم يدخل سابور في الزيادة ، فولي أبو نصر البطيحة ، وسار إليها وفارقها سابور إلى جزيرة بني دبيس ، واستقر أبو نصر في الولاية ، وأمنت به الطرق .

[ ذكر عدة حوادث ]

في هذه السنة توفي علي بن هلال المعروف بابن البواب ، الكاتب المشهور ، وإليه انتهى الخط ، ودفن بجوار أحمد بن حنبل ، وكان يقص بجامع بغداذ ، ورثاه المرتضى ، وقيل كان موته سنة ثلاث عشرة وأربعمائة .

وفيها حج الناس من العراق ، وكان قد انقطع سنة عشر وسنة إحدى عشرة ، فلما كان هذه السنة قصد جماعة من أعيان خراسان السلطان محمود بن سبكتكين وقالوا له : أنت أعظم ملوك الإسلام ، وأثرك في الجهاد مشهور ، والحج قد انقطع كما ترى ، والتشاغل به واجب ، وقد كان بدر بن حسنويه ، وفي أصحابك كثير أعظم منه ، يسير الحاج بتدبيره ، وما له عشرون ، فاجعل لهذا الأمر حظا من اهتمامك .

فتقدم إلى أبي محمد الناصحي قاضي قضاة بلاده بأن يسير بالحاج ، وأعطاه ثلاثين ألف دينار يعطيها للعرب وسوى النفقة في الصدقات ، ونادى في خراسان بالتأهب للحج ، فاجتمع خلق عظيم ، وساروا ، وحج بهم أبو الحسن الأقساسي ، فلما [ ص: 669 ] بلغوا فيد حصرهم العرب ، فبذل لهم الناصحي خمسة آلاف دينار ، فلم يقنعوا ، وصمموا العزم على أخذ الحاج ، وكان مقدمهم رجل يقال له حمار بن عدي ، بضم العين ، من بني نبهان فركب فرسه ، وعليه درعه وسلاحه ، وجال جولة يرهب بها ، وكان من سمرقند شاب يوصف بجودة الرمي ، فرماه بسهم فقتله ، وتفرق أصحابه ، وسلم الحاج فحجوا ، وعادوا سالمين .

وفيها قلد أبو جعفر السمناني الحسبة ، والمواريث ، ببغداذ ، والموتى .

[ الوفيات ]

وتوفي هذه السنة أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الماليني الصوفي بمصر ، في شوال ، وهو من المكثرين في الحديث ، ومحمد بن أحمد بن محمد بن رزق البزاز ، المعروف بابن رزقويه ، شيخ الخطيب أبي بكر ، ومولده سنة خمس وعشرين وثلاثمائة ، وكان فقيها شافعيا ، وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي الصوفي ، النيسابوري ، صاحب " طبقات الصوفية " ، وأبو علي الحسن بن علي الدقاق النيسابوري ، الصوفي ، شيخ أبي القاسم القشيري ( وأبو الفتح بن أبي الفوارس ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية