الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله : ( الرحمن الرحيم ) .

قال أبو جعفر : قد مضى البيان عن تأويل قوله ( الرحمن الرحيم ) ، في تأويل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

ولم نحتج إلى الإبانة عن وجه تكرير ذلك في هذا الموضع ، إذ كنا لا نرى أن [ ص: 147 ] "بسم الله الرحمن الرحيم " من فاتحة الكتاب - آية ، فيكون علينا لسائل مسألة بأن يقول : ما وجه تكرير ذلك في هذا الموضع ، وقد مضى وصف الله عز وجل به نفسه في قوله " بسم الله الرحمن الرحيم " ، مع قرب مكان إحدى الآيتين من الأخرى ، ومجاورتها صاحبتها ؟ بل ذلك لنا حجة على خطأ دعوى من ادعى أن "بسم الله الرحمن الرحيم " من فاتحة الكتاب آية . إذ لو كان ذلك كذلك ، لكان ذلك إعادة آية بمعنى واحد ولفظ واحد مرتين من غير فصل يفصل بينهما . وغير موجود في شيء من كتاب الله آيتان متجاورتان مكررتان بلفظ واحد ومعنى واحد ، لا فصل بينهما من كلام يخالف معناه معناهما . وإنما يؤتى بتكرير آية بكمالها في السورة الواحدة ، مع فصول تفصل بين ذلك ، وكلام يعترض به معنى الآيات المكررات أو غير ألفاظها ، ولا فاصل بين قول الله تبارك وتعالى اسمه " الرحمن الرحيم " من " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وقول الله : " الرحمن الرحيم " ، من " الحمد لله رب العالمين " .

فإن قال : فإن " الحمد لله رب العالمين " فاصل من ذلك .

قيل : قد أنكر ذلك جماعة من أهل التأويل ، وقالوا : إن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم ، وإنما هو : الحمد لله الرحمن الرحيم رب العالمين ملك يوم الدين . واستشهدوا على صحة ما ادعوا من ذلك بقوله : "ملك يوم الدين " ، فقالوا : إن قوله "ملك يوم الدين " تعليم من الله عبده أن يصفه بالملك في قراءة من قرأ ملك ، وبالملك في قراءة من قرأ " مالك " . قالوا : فالذي هو أولى أن يكون مجاور وصفه بالملك أو الملك ، ما كان نظير ذلك من الوصف; وذلك هو قوله : "رب العالمين " ، الذي هو خبر عن ملكه جميع أجناس الخلق; وأن يكون مجاور وصفه بالعظمة والألوهة ما كان له نظيرا في المعنى من الثناء عليه ، وذلك قوله : ( الرحمن الرحيم ) .

فزعموا أن ذلك لهم دليل على أن قوله " الرحمن الرحيم " بمعنى التقديم قبل " رب العالمين " ، وإن كان في الظاهر مؤخرا . وقالوا : نظائر ذلك - من التقديم الذي هو بمعنى التأخير ، والمؤخر الذي هو بمعنى التقديم - في كلام العرب أفشى ، وفي منطقها أكثر ، من أن يحصى . من ذلك قول جرير بن عطية : [ ص: 148 ]


طاف الخيال - وأين منك ؟ - لماما فارجع لزورك بالسلام سلاما



بمعنى طاف الخيال لماما ، وأين هو منك ؟ وكما قال جل ثناؤه في كتابه : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ) سورة الكهف : 1 بمعنى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ، وما أشبه ذلك . ففي ذلك دليل شاهد على صحة قول من أنكر أن تكون - ( بسم الله الرحمن الرحيم ) من فاتحة الكتاب - آية

التالي السابق


الخدمات العلمية