الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 60 ] ذكر ملك جمشيد

وأما علماء الفرس فإنهم قالوا : ملك بعد طهمورث جمشيد ، والشيد عندهم الشعاع ، وجم القمر ، لقبوه بذلك لجماله ، وهو جم بن ويونجهان ، وهو أخو طهمورث .

وقيل : إنه ملك الأقاليم السبعة وسخر له ما فيها من الجن والإنس ، وعقد التاج على رأسه ، وأمر لسنة مضت من ملكه إلى سنة خمس منه بعمل السيوف والدروع وسائر الأسلحة وآلة الصناع من الحديد ، ومن سنة خمسين من ملكه إلى سنة مائة بعمل الإبريسم ، وغزله ، والقطن ، والكتان ، وكل ما يستطاع غزله وحياكة ذلك وصبغه ألوانا ولبسه ، ومن سنة مائة إلى سنة خمسين ومائة صنف الناس أربع طبقات : طبقة مقاتلة ، وطبقة فقهاء ، وطبقة كتاب ، وصناع ، وطبقة حراثين ، واتخذ منهم خدما ، ووضع لكل أمر خاتما مخصوصا به ، فكتب على خاتم الحرب : الرفق والمداراة ، وعلى خاتم الخراج : العمارة والعدل ، وعلى خاتم البريد والرسل : الصدق والأمانة ، وعلى خاتم المظالم : السياسة والانتصاف ، وبقيت رسوم الخواتيم حتى محاها الإسلام .

ومن سنة مائة وخمسين إلى سنة خمسين ومائتين حارب الشياطين وأذلهم وقهرهم وسخروا له .

ومن سنة خمسين ومائتين إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة وكل الشياطين بقطع الأحجار والصخور من الجبال وعمل الرخام ، والجص ، والكلس ، والبناء بذلك الحمامات ، والنقل من البحار ، والجبال ، والمعادن ، والذهب ، والفضة ، وسائر ما يذاب من الجواهر ، وأنواع الطيب ، والأدوية ، فنفذوا في ذلك بأمره ، ثم أمر فصنعت له عجلة من [ ص: 61 ] الزجاج ، فأصفد فيها الشياطين ، وركبها ، وأقبل عليها في الهواء من دنباوند إلى بابل في يوم واحد ، وهو يوم هرمزروز وافروز دين ماه ، فاتخذ الناس ذلك اليوم عيدا وخمسة أيام بعده . وكتب إلى الناس في اليوم السادس يخبرهم أنه قد سار فيهم بسيرة ارتضاها الله ، فكان من جزائه إياه عليها أنه قد جنبهم الحر ، والبرد ، والأسقام ، والهرم ، والحسد ، فمكث الناس ثلاثمائة سنة بعد الثلاثمائة والست عشرة سنة لا يصيبهم شيء مما ذكر .

ثم بنى قنطرة على دجلة فبقيت دهرا طويلا حتى خربها الإسكندر ، وأراد الملوك عمل مثلها فعجزوا فعدلوا إلى عمل الجسور من الخشب . ثم إن جما بطر نعمة الله عليه وجمع الإنس ، والجن ، والشياطين ، وأخبرهم أنه وليهم ، ومانعهم بقوته من الأسقام ، والهرم ، والموت ، وتمادى في غيه ، فلم يحر أحد منهم جوابا ، وفقد مكانه بهاءه وعزه ، وتخلت عنه الملائكة الذين كان الله أمرهم بسياسة أمره ، فأحس بذلك بيوراسب الذي تسمى الضحاك ، فابتدر إلى جم لينتهسه ، فهرب منه ، ثم ظفر به بعد ذلك بيوراسب فاسترط أمعاءه ، ونشره بمنشار .

وقيل إنه ادعى الربوبية فوثب عليه أخوه ليقتله ، واسمه أسغتور ، فتوارى عنه مائة سنة ، فخرج عليه في تواريه بيوراسب فغلبه على ملكه .

وقيل كان ملكه سبعمائة سنة وست عشرة سنة وأربعة أشهر .

قلت : وهذا الفصل من حديث جم قد أتينا به تاما بعد أن كنا عازمين على تركه لما فيه من الأشياء التي تمجها الأسماع ، وتأباها العقول ، والطباع ، فإنها من خرافات الفرس مع أشياء أخر قد تقدمت قبلها ، وإنما ذكرناها ليعلم جهل الفرس ، فإنهم كثيرا ما يشنعون على العرب بجهلهم ، وما بلغوا هذا ولأنا لو كنا تركنا هذا الفصل لخلا من شيء نذكره من أخبارهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية