الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 383 ] القول في تأويل قوله ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ( 1 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فخافوا الله أيها القوم ، واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه ، وأصلحوا الحال بينكم .

واختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله : " وأصلحوا ذات بينكم " .

فقال بعضهم : هو أمر من الله الذين غنموا الغنيمة يوم بدر ، وشهدوا الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اختلفوا في الغنيمة : أن يرد ما أصابوا منها بعضهم على بعض .

ذكر من قال ذلك :

15678 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، قال : كان نبي الله ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفار إذا قتله ، ثم أنزل الله : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، أمرهم أن يرد بعضهم على بعض .

15679 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الرجل على قدر جده وغنائه على ما رأى ، حتى إذا كان يوم بدر ، وملأ الناس أيديهم غنائم ، قال أهل الضعف من الناس : ذهب أهل القوة بالغنائم ! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : " قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، ليرد أهل القوة على أهل الضعف . [ ص: 384 ]

وقال آخرون : هذا تحريج من الله على القوم ، ونهي لهم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره .

ذكر من قال ذلك :

15680 - حدثني محمد بن عمارة قال ، حدثنا خالد بن يزيد وحدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قالا حدثنا أبو إسرائيل ، عن فضيل ، عن مجاهد ، في قول الله : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، قال : حرج عليهم .

15681 - حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، قال هذا تحريج من الله على المؤمنين ، أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم قال عباد ، قال سفيان : هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر .

15682 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " ، أي لا تستبوا .

واختلف أهل العربية في وجه تأنيث " البين " .

فقال بعض نحويي البصرة : أضاف " ذات " إلى " البين " وجعله " ذاتا " ، لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث ، وبعضا يذكر نحو " الدار " و" الحائط " ، أنث " الدار " وذكر " الحائط " .

وقال بعضهم : إنما أراد بقوله : " ذات بينكم " ، الحال التي للبين ، فقال : وكذلك " ذات العشاء " ، يريد الساعة التي فيها العشاء ، قال : ولم يضعوا مذكرا لمؤنث ، ولا مؤنثا لمذكر ، إلا لمعنى .

قال أبو جعفر : هذا القول أولى القولين بالصواب ، للعلة التي ذكرتها له . [ ص: 385 ]

وأما قوله : " وأطيعوا الله ورسوله " ، فإن معناه : وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفال ، إلى أمر الله وأمر رسوله فيما أفاء الله عليكم ، فقد بين لكم وجوهه وسبله " إن كنتم مؤمنين " ، يقول : إن كنتم مصدقين رسول الله فيما آتاكم به من عند ربكم ، كما : -

15683 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " ، فسلموا لله ولرسوله ، يحكمان فيها بما شاءا ، ويضعانها حيث أرادا .

التالي السابق


الخدمات العلمية