الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 364 ] فصل في قدوم وفد الأنصار عاما بعد عام حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة بعد بيعة ، ثم بعد ذلك تحول إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فنزل بين أظهرهم ، كما سيأتي بيانه وتفصيله إن شاء الله ، وبه الثقة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حديث سويد بن صامت الأنصاري ، وهو سويد بن الصامت بن خالد بن عطية بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، وأمه ليلى بنت عمرو النجارية ، أخت سلمى بنت عمرو أم عبد المطلب بن هاشم . فسويد هذا ابن خالة عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد بن إسحاق بن يسار : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره ، كلما اجتمع الناس بالموسم ، أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ، ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الهدى والرحمة ، ولا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له ، ودعاه إلى الله تعالى ، [ ص: 365 ] وعرض عليه ما عنده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أشياخ من قومه ، قالوا : قدم سويد بن الصامت ، أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا ، وكان سويد إنما يسميه قومه - فيهم - الكامل; لجلده ، وشعره ، وشرفه ، ونسبه ، وهو الذي يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى مقالته بالغيب ساءك ما يفري     مقالته كالشهد ما كان شاهدا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبالغيب مأثور على ثغرة النحر     يسرك باديه وتحت أديمه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نميمة غش تبتري عقب الظهر     تبين لك العينان ما هو كاتم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من الغل والبغضاء بالنظر الشزر     فرشني بخير طالما قد بريتني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخير الموالي من يريش ولا يبري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به . فدعاه إلى الله والإسلام ، فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 366 ] " وما الذي معك ؟ " قال مجلة لقمان - يعني حكمة لقمان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اعرضها علي " . فعرضها عليه ، فقال : " إن هذا الكلام حسن ، والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله علي هو هدى ونور " . فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، ودعاه إلى الإسلام ، فلم يبعد منه ، وقال : إن هذا القول حسن . ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه ، فلم يلبث أن قتلته الخزرج ، فإن كان رجال من قومه ليقولون : إنا لنراه قتل وهو مسلم ، وكان قتله قبل بعاث . وقد رواه البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق بأخصر من هذا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية