الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر محمد بن إسحاق سماع الجن لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك مرجعه من الطائف حين بات بنخلة ، وصلى بأصحابه الصبح ، فاستمع الجن الذين صرفوا إليه قراءته هنالك . قال ابن إسحاق : وكانوا سبعة نفر ، فأنزل الله تعالى فيهم قوله : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن [ الأحقاف : 29 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد تكلمنا على ذلك مستقصى في " التفسير " ، وتقدم قطعة من ذلك . فالله أعلم . ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مرجعه من الطائف في جوار المطعم بن عدي ، وازداد قومه عليه حنقا ، وغيظا ، وجرأة ، وتكذيبا ، وعنادا . والله المستعان وعليه التكلان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 343 ] وقد ذكر الأموي في " مغازيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن أريقط إلى الأخنس بن شريق ، فطلب منه أن يجيره بمكة ، فقال : إن حليف قريش لا يجير على صميمها . ثم بعثه إلى سهيل بن عمرو ; ليجيره ، فقال : إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب بن لؤي . فبعثه إلى المطعم بن عدي ; ليجيره ، فقال : نعم ، قل له فليأت . فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبات عنده تلك الليلة ، فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة - أو سبعة - متقلدي السيوف جميعا ، فدخلوا المسجد وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : طف . واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف ، فأقبل أبو سفيان إلى مطعم ، فقال : أمجير أم تابع ؟ قال : لا ، بل مجير . قال : إذا لا تخفر . فجلس معه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافه ، فلما انصرف انصرفوا معه ، وذهب أبو سفيان إلى مجلسه . قال : فمكث أياما ثم أذن له في الهجرة ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة توفي المطعم بن عدي بعده بيسير ، فقال حسان بن ثابت : والله لأرثينه ، فقال فيما قال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا من الناس نجى مجده اليوم مطعما     أجرت رسول الله منهم فأصبحوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبادك ما لبى محل وأحرما     فلو سئلت عنه معد بأسرها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقحطان أو باقي بقية جرهما     لقالوا هو الموفي بخفرة جاره
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذمته يوما إذا ما تذمما [ ص: 344 ]     وما تطلع الشمس المنيرة فوقهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على مثله فيهم أعز وأكرما     أبيا إذا يأبى وألين شيمة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأنوم عن جار إذا الليل أظلما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أسارى بدر : " لو كان المطعم بن عدي حيا ، ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية