الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب اللعان ) .

                                                                                        مصدر لاعن ملاعنة ولعانا يقال لاعن امرأته ملاعنة ولعانا ، وتلاعنا والتعنا لعن بعض بعضا ، ولاعن الحاكم بينهما لعانا حكم ، والتلعين التعذيب ولعنه كجعله طرده وأبعده فهو لعين وملعون والجمع ملاعين والاسم اللعان واللعانية واللعن بالضم من يلعنه الناس واللعنة كهمزة الكثير اللعن لهم واللعين من يلعنه كل واحد كالملعن والشيطان والممسوخ والمشئوم والمسيب وما يتخذ في المزارع كهيئة الرجل والمخزى المهلك كذا في القاموس .

                                                                                        والأصل فيه الآيات التي في سورة النور وهو قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم } وقد اختلف في سبب نزولها فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة وإلا حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول البينة وإلا حد في ظهرك فقالهلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله تعالى ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل فأنزل الله { والذين يرمون أزواجهم } حتى بلغ { إن كان من الصادقين } . فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وعظها وقال إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين شائع الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله تعالى لكان لي ولها شأن }

                                                                                        . في المصباح خدلج أي : ضخم وأخرج البخاري أيضا عن سهل بن سعد قال { جاء عويمر إلى عاصم بن عدي [ ص: 122 ] فقال سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه عويمر فقال : ما صنعت إنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب السائل فقال عويمر والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فدعا بها فلاعن بينهما فقال عويمر إن انطلقت بها يا رسول الله فقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم فصارت سنة للمتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أسحم العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا فجاءت به مثل النعت المكروه } وذكر البقاعي أنه لا يمتنع أن يكون للآية الواحدة عدة أسباب معا أو متفرقا ا هـ .

                                                                                        وتمام الروايات باختلاف طرقها في الدر المنثور للجلال الأسيوطي رحمه الله تعالى

                                                                                        . ( قوله هي شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنا في حقها ) ، وهذا بيان للركن فدل على اشتراط أهليتهما للشهادة في حق كل منهما كما سيصرح به لا أهلية اليمين كما ذهب إليه الشافعي ودل على أنهما لو التعنا عند قاض فلم يفرق بينهما حتى مات أو عزل فإن الثاني يعيد اللعان كما لو شهدا عنده فمات أو عزل قبل القضاء كذا في البدائع والمراد بكونه قائما مقام حد القذف في حقه أن يكون بالنسبة إليها لا مطلقا ; إذ لو كان مطلقا لم تقبل شهادته أبدا مع أنها مقبولة كما ذكره الشارح في حد القذف وفي الاختيار لا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا .

                                                                                        ولو قذف بكلمة أو بكلمات أربع زوجات له بالزنا لا يكفيه لعان واحد لهن بل لا بد من أن يلاعن كلا منهن على حدة بخلاف ما إذا قذفها مرارا حيث يجب لعان واحد كما لو قذف أجنبية مرارا أو أجنبيات بكلمة أو كلمات يجب حد واحد لحصول المقصود وهو دفع العار عنهن ولا يحصل ذلك في اللعان إلا بالنسبة إلى كل واحدة ، ولو قذفهن ولم يكن من أهل اللعان اكتفي بحد واحد للكل للتداخل كذا في البدائع والمراد بكونه قائما مقام حد الزنا في حقها أن يكون بالنسبة إلى الزوج حتى لا يثبت اللعان بالشهادة على الشهادة ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا بشهادة النساء وإذا قذفها إنسان بعد اللعان إن رماها زوجها بالزنا ثم قذفها هو أو غيره حد ; لأن لعانه كحده مؤكد لعفتها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب اللعان .




                                                                                        الخدمات العلمية