الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  حديث تزويج فاطمة رضي الله عنها وما أبان الله فيه من دلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                  55 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن يحيى بن العلاء البجلي ، عن عمه شعيب بن خالد ، عن حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجية ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس قال : كانت فاطمة تذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يذكرها أحد إلا صدعته ، حتى يئسوا منها ، فلقي سعد بن معاذ عليا ، فقال : إني والله ما أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبسها إلا عليك ، فقال له علي : فلم ترى ذلك ؟ فوالله ما أنا بأحد الرجلين : ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي ، وقد علم ما لي صفراء ولا بيضاء ، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه ، يعني يتألفه بها ، إني لأول من أسلم ، قال سعد : فإني أعزم عليك لتفرجنها عني ، فإن لي في ذلك فرجا ، قال : أقول ماذا ؟ قال : تقول : جئت خاطبا إلى الله وإلى رسوله فاطمة بنت محمد ، قال : فانطلق علي فعرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يفتل حصيرا ، فقال له النبي - صلى [ ص: 308 ] الله عليه وسلم - : " كأن لك حاجة يا علي " قال : أجل ، جئتك خاطبا إلى الله وإلى رسوله فاطمة ابنة محمد ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مرحبا " كلمة ضعيفة ، ثم رجع إلى سعد بن معاذ فقال له : قد فعلت الذي أمرتني به ، فلم يزد على أن رحب بي كلمة ضعيفة ، فقال له سعد : أنكحك والذي بعثه بالحق ، فإنه لا خلف الآن ولا كذب عنده ، أعزم عليك لتأتينه غدا ولتقولن له : يا نبي الله ، متى تبنيني ؟ فقال علي : هذه علي أشد من الأولى ، أولا أقول : يا رسول الله حاجتي ، قال : قل ما أمرتك ، فانطلق علي فقال : يا رسول الله ، متى تبنيني ؟ فقال : " الليلة إن شاء الله " ، ثم دعا بلالا فقال : " يا بلال ، إني قد زوجت ابنتي ابن عمي وأنا أحب أن تكون سنة أمتي الطعام عند النكاح ، فأت الغنم فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة ، واجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين والأنصار ، فإذا فرغت منها فآذني بها " .

                                                                  فانطلق ففعل ما أمره به ، ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه فطعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رأسها ، ثم قال : " أدخل علي الناس زفة زفة ولا تغادرن زفة إلى غيرها " ، يعني إذا فرغت زفة لم تعد ثانية ، فجعل الناس يردون ، كلما فرغت زقة وردت أخرى حتى فرغ الناس ، ثم عمد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما فضل منها فتفل فيها وبارك وقال : " يا علي احملها إلى أمهاتك ، وقل لهن : كلن وأطعمن من غشيكن " ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام حتى دخل على النساء قال : " إني قد زوجت ابنتي ابن عمي ، وقد علمتن منزلتها مني ، وأنا دافعها إليه الآن ، فدونكن ابنتكن " فقام النساء فغلفنها من طيبهن وحليهن ، وألبسنها من ثيابهن ومن [ ص: 309 ] حليهن ، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل ، فلما رأينه النساء ذهبن وبينهن وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - سترة ، وتخلفت أسماء بنت عميس ، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كما أنت على رسلك ، من أنت ؟ " قالت : أنا الذي أحرس ابنتك ، إن الفتاة ليلة بنائها لا بد لها من امرأة تكون قريبة منها ، إن عرضت لها حاجة ، أو أرادت شيئا أفضت بذلك إليها ، قال : " فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ، ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن شمالك من الشيطان الرجيم " ثم صرخ بفاطمة فأقبلت ، فلما رأت عليا جالسا إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - حضرت وبكت ، فأشفق النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون بكاؤها لأن عليا لا مال له ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما يبكيك ؟ فما آلوتك في نفسي ، وقد أصبت لك خير أهلي ، وايم الذي نفسي بيده ، لقد زوجتك سعيدا في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " فلان منها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا أسماء ، ائتيني بالمخضب فاملئيه ماء " فأتته أسماء بالمخضب فملأته ماء فمج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه وغسل فيه قدميه ووجهه ، ثم دعا فاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب به على رأسها وكفا بين ثدييها ، ثم رش جلده وجلدها ، ثم التزمها ، فقال : " اللهم إنها مني وأنا منها ، اللهم فكما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرها " ثم دعا بمخضب آخر ، ثم دعا عليا فصنع به مثل ما صنع بها ، ثم دعا له كما دعا لها ، ثم قال : " قوما إلى بيتكما ، جمع الله بينكما ، وبارك في سيركما ، وأصلح بالكما " ثم قام فأغلق عليهما بابه بيده . قال ابن عباس : وأخبرتني أسماء بنت عميس أنها رمقت رسول الله [ ص: 310 ] - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يدعو لهما خاصة لا يشركهما في دعائه أحدا حتى توارى في حجرته
                                                                  " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية