الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  حديث الجساسة

                                                                  47 - حدثنا حفص بن الصباح الرقي ، ثنا أبو معمر المقعد قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد قال : حدثني حسين المعلم قال : ثنا عبد الله بن بريدة قال : حدثني عامر بن شراحيل الشعبي ، شعب همدان : أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس ، وكانت من المهاجرات الأول : حدثيني حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تسنديه إلى أحد غيرك ، قالت : لئن شئت لأفعلن ، قال لها : أجل حدثيني ، قالت : سمعت نداء منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي [ ص: 293 ] أن : الصلاة جامعة ، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكنت في صف النساء الذي يلي ظهور القوم ، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته جلس على المنبر وهو يضحك ، فقال : " ليلزم كل إنسان مصلاه " ثم قال : " هل تدرون لم جمعتكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ؛ ولكني جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا ، فجاء وبايع وأسلم ، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرا في البحر ، ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حين غروب الشمس ، فجلسوا في قارب السفينة فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر ، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقالوا : ويلك ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة ، قالوا : وما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم ، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير ؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فلما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة ، فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا وأشده وثاقا ، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ، قلنا : ويلك ما أنت ؟ قال : قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ، ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهرا ، ثم ألقتنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا في قاربها ، فدخلنا الجزيرة ، فلقيتنا دابة أهلب كثيرة الشعر لا ندري قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقلنا : ويلك ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة ، فقلنا : وما الجساسة ؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل ؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق ، [ ص: 294 ] فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ، ولم نأمن ما أمنا أن تكون شيطانة ، فقال : أخبروني عن نخل بيسان ، قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها ، هل يثمر ؟ قلنا له : نعم ، قال : أما إنه يوشك أن لا يثمر ، قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية ، قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء ، قال : أخبروني عن عين زغر ، قالوا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل في العين ماء ؟ وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا : نعم ، هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون بمائها ، قال : أخبروني عن النبي الأمي ما فعل ؟ قالوا : خرج من مكة ونزل يثرب ، قال : أقاتلته العرب ؟ قلنا : نعم ، قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه ، قال : إنه كان ذلك ؟ قلنا : نعم ، قال : أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عني ، إني أنا المسيح الدجال ، وإنه يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض ، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غيرمكة وطيبة ، وهما محرمتان علي كلتاهما ، كلما أردت أن أدخل واحدة منها استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطعن بمخصرته المنبر : " هذه طيبة ، هذه طيبة ، هذه طيبة " يعني المدينة " ألا فهل كنت حدثتكم ذلك ؟ " قال الناس : نعم ، قال : " فإنه أعجبني حديث تميم الداري لأنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة ، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ، ما هو من قبل المشرق ، ما هو من قبل المشرق ، وأومأ بيده قبل المشرق " .

                                                                  [ ص: 295 ] قالت : فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
                                                                  .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية