الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 393 ] ثم دخلت سنة خمس وخمسين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها كانت وفاة الخليفة المقتفي لأمر الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأمه نسيم ، المدعوة : ست السادة ، سمراء من خيار الجواري ، مرض بالتراقي ، وقيل : بدمل خرج في حلقه . فمات ليلة الأحد ثاني ربيع الأول من هذه السنة عن ست وستين سنة ، إلا ثمانية وعشرين يوما ، وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وستة عشر يوما ، ودفن بدار الخلافة ، ثم نقل إلى الترب ، وقد كان شهما شجاعا مقداما ، يباشر الأمور بنفسه ، ويشاهد الحروب ويبذل الأموال الكثيرة لأصحابه الأخيار ، وهو أول من استبد بالعراق منفردا عن السلاطين ، من أول أيام الديلم إلى أيامه ، وتمكن في الخلافة وحكم على العسكر والأمراء ، وقد وافق أباه في أشياء ; من ذلك مرضه بالتراقي ، وموته في ربيع الأول ، وتقدم موت السلطان محمد شاه قبله بثلاثة أشهر ، وكذلك المستظهر مات قبله محمد بثلاثة ، وبعد غرق بغداد بسنة مات القائم ، وكذلك هذا . قال عفيف الناسخ : رأيت في المنام قائلا [ ص: 394 ] يقول : إذا اجتمعت ثلاث خاءات مات المقتفي . يعني : خمسا وخمسين وخمسمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خلافة المستنجد بالله ، أبي المظفر يوسف بن المقتفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما توفي أبوه ، كما ذكرنا ، بويع له في صبيحة يوم الأحد ثاني ربيع الأول من هذه السنة ، بايعه أشراف بني العباس ، ثم الوزير والقضاة والعلماء والأمراء وعمره يومئذ خمس وأربعون سنة ، وكان رجلا صالحا ، وكان ولي عهد أبيه من مدة متطاولة ، ثم عمل عزاء أبيه ، ولما خطب له يوم الجمعة نثرت الدراهم والدنانير على الناس ، وفرح المسلمون به بعد أبيه ، وأقر الوزير ابن هبيرة على منصبه ووعده بذلك إلى الممات ، وعزل قاضي القضاة ابن الدامغاني ، وولى مكانه أبا جعفر عبد الواحد الثقفي ، وكان شيخا كبيرا ، له سماع بالحديث ، وباشر الحكم بالكوفة مدة ، فتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ، فولي مكانه ابنه جعفر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شوال من هذه السنة اتفق الأتراك بباب همذان على خلع سليمان شاه ، وخطبوا لأرسلان بن طغرل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفائز بنصر الله الفاطمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب مصر ، وهو أبو القاسم عيسى بن إسماعيل الظافر ، وكانت وفاته في صفر وعمره يومئذ إحدى عشرة [ ص: 395 ] سنة ، ومدة ولايته من ذلك ست سنين وشهران ، وكان مدبر دولته أبو الغارات ، ثم قام بعده العاضد آخر خلفائهم ، وهو أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ ، ولم يكن أبوه خليفة ، وكان يومئذ قد ناهز الاحتلام ، فقام بتدبير مملكته الملك الصالح طلائع بن رزيك الوزير ، أخذ له البيعة وزوجه بابنته ، وجهزها بأمر عظيم ، وقد عمرت بعد زوجها العاضد ، ورأت زوال دولة الفاطميين على يد الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي ، في سنة أربع وستين ، كما سيأتي مفصلا إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت وفاة السلطان الكبير صاحب غزنة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خسروشاه بن بهرام شاه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين ، من بيت ملك ورياسة باذخة ، يرثونها كابرا عن كابر ، وكان من سادات الملوك وأحسنهم سيرة ، يحب العلم وأهله . وكانت وفاته في رجب من هذه السنة ، وقام من بعده ولده ملكشاه ، فسار إليه علاء الدين الحسين ملك الغور فحاصر غزنة مدة فلم يقدر عليها ، فرجع خائبا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها مات ملكشاه بن السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بن ألب أرسلان السلجوقي ، بأصبهان مسموما ، يقال : إن الوزير عون الدين بن هبيرة دس إليه من سقاه إياه . والله أعلم . وفيها مات

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 396 ] أمير الحاج قايماز بن عبد الله الأرجواني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سقط عن فرسه وهو يلعب بالكرة بميدان الخليفة ، فسال دماغه من أذنه ، فمات من ساعته ، رحمه الله ، وقد كان من خيار الأمراء ، فتأسف الناس عليه ، وحضر جنازته خلق كثير . مات في شعبان من هذه السنة ، فحج بالناس فيها الأمير أرغش مقطع الكوفة . وحج في هذه السنة الأمير الكبير شيركوه بن شاذي ، مقدم عساكر الملك نور الدين بن زنكي ، وتصدق بأموال كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها استعفى القاضي زكي الدين أبو الحسن علي بن محمد بن يحيى القرشي من القضاء بدمشق ، فأعفاه الملك نور الدين ، وولى مكانه القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري ، وكان من خيار القضاة وأكثرهم صدقة ، وله صدقات جارية بعده ، وكان عالما ، بارعا ، وإليه ينسب الشباك الكمالي الذي يجلس فيه الحكام في الجامع بعد صلاة الجمعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية