الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                  1 - أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقرئ ، أخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني ، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن شهاب الزهري ، أخبرني عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : " أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد ، ويتزود لذلك . ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : " اقرأ " . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فقلت [ له ] : ما أنا بقارئ " . قال : " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ : فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ : فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) حتى بلغ ( ما لم يعلم ) فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة ، - رضي الله عنها - فقال : " زملوني " . فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال : " يا خديجة ! ما لي ؟ " فأخبرها الخبر وقال : " قد خشيت علي " ، فقالت له : كلا ، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق " . رواه البخاري عن يحيى بن بكير . ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، كلاهما عن عبد الرزاق .

                                                                                                                                                                  2 - أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري ، أخبرنا جدي [ حدثنا ] أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ ، حدثنا عبد الرحمن بن بشر ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : إن أول ما نزل من القرآن : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ( . رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، عن أبي بكر الصبغي ، عن بشر بن موسى ، عن الحميدي ، عن سفيان .

                                                                                                                                                                  3 - أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني ، حدثنا نصر بن محمد الحافظ ، أخبرنا محمد بن مخلد : أن محمد بن إسحاق حدثهم حدثنا يعقوب الدورقي ، حدثنا أحمد بن نصر بن زياد ، حدثنا علي بن الحسين بن واقد ، حدثني أبي ، حدثني يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن قالا : أول ما نزل من القرآن ) بسم الله الرحمن الرحيم ( . فهو أول ما نزل من القرآن بمكة ، وأول سورة ( اقرأ باسم ربك ) .

                                                                                                                                                                  4 - أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر [ ص: 8 ] حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، حدثني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي : أنه سمع بعض علمائهم يقول : كان أول ما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) فقالوا : هذا صدرها [ الذي ] أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حراء ، ثم أنزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله .

                                                                                                                                                                  وأما الحديث الصحيح الذي روي : " أن أول ما نزل سورة المدثر " فهو ما :

                                                                                                                                                                  5 - أخبرناه الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد : حدثنا محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد التنيسي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن : أي القرآن أنزل قبل ؟ قال : ( ياأيها المدثر ) قلت : أو ( اقرأ باسم ربك ؟ ( قال : سألت جابر بن عبد الله الأنصاري : أي القرآن أنزل قبل ؟ قال : ( ياأيها المدثر ) قال : قلت : أو ( اقرأ باسم ربك ؟ ( قال جابر : أحدثكم ما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني جاورت بحراء شهرا ، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي ، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على العرش في الهواء - يعني جبريل - فأخذتني رجفة . فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء ، فأنزل الله - عز وجل - علي : ( ياأيها المدثر قم فأنذر ( . رواه مسلم عن زهير بن حرب ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي . .

                                                                                                                                                                  وهذا ليس بمخالف لما ذكرناه أولا ، وذلك : أن جابرا سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - [ هذه ] القصة الأخيرة ولم يسمع أولها فتوهم أن سورة المدثر أول ما نزل ، وليس كذلك ، ولكنها أول ما نزل عليه بعد سورة ( اقرأ ) والذي يدل على هذا .

                                                                                                                                                                  6 - ما أخبرنا أبو عبد الرحمن بن [ أبي ] حامد أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي ، حدثنا محمد بن يحيى ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي - فقال في حديثه : " فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت منه رعبا ، فرجعت ، فقلت : زملوني زملوني . فدثروني ، فأنزل الله تعالى : ( ياأيها المدثر ( " . رواه البخاري عن عبد الله بن محمد . ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، كلاهما عن عبد الرزاق ، فبان بهذا الحديث أن الوحي كان قد فتر بعد نزول ( اقرأ باسم ربك ) .

                                                                                                                                                                  ثم نزل ( ياأيها المدثر ) والذي يوضح ما قلنا إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الملك الذي جاء بحراء جالس ، فدل على أن هذه القصة إنما كانت بعد نزول ( اقرأ ) .

                                                                                                                                                                  [ ص: 9 ] 7 - أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرئ ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد المقرئ حدثنا أبو الشيخ ، حدثنا أحمد بن سليمان بن أيوب ، حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق حدثنا علي بن الحسين بن واقد ، حدثني أبي ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول : أول سورة نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة : ( اقرأ باسم ربك ) وآخر سورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة : " المؤمنون " . ويقال : " العنكبوت " ; وأول سورة نزلت بالمدينة : ( ويل للمطففين ) وآخر سورة نزلت في المدينة : ) " براءة " ( وأول سورة أعلنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة : ) " والنجم " ( . وأشد آية على أهل النار ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) . وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ) الآية . وآخر آية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) وعاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها تسع ليال .

                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية