الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 340 ] ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في ليلة مستهل ربيع الأول منها احترق القصر الذي بناه المسترشد ، وكان في غاية الحسن ، وكان الخليفة المقتفي قد انتقل بجواريه وحظاياه إليه ; ليقيم فيه ثلاثة أيام فما هو إلا أن ناموا حتى احترق عليهم القصر ; بسبب أن جارية أخذت في يدها شمعة فعلق لهبها ببعض الأخشاب ; فاحترق القصر وسلم الله الخليفة وأهله فأصبح فتصدق بأشياء كثيرة وأطلق خلقا من المحبسين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رجب منها وقع بين الخليفة والسلطان مسعود واقع فبعث الخليفة إلى الجوامع والمساجد فأغلقت ثلاثة أيام حتى اصطلحا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة المنتصف ذي القعدة جلس ابن العبادي الواعظ ، فتكلم والسلطان مسعود حاضر ، وكان قد وضع على الناس في البيع مكسا فاحشا فقال في جملة وعظه : يا سلطان العالم أنت تطلق في بعض الأحيان للمغني إذا طربت قريبا مما وضعت على المسلمين من هذا المكس ، فهبني مغنيا وقد طربت فهب لي هذا المكس ، شكرا لنعم الله عليك فأشار السلطان بيده أن قد فعلت فضج الناس بالدعاء له وكتب بذلك سجلات ونودي في البلد بإسقاط ذلك المكس ففرح الناس بذلك ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 341 ] وفي هذه السنة قل المطر جدا ، وقلت مياه الأنهار ، وانتشر جراد عظيم ، وأصاب الناس داء في حلوقهم فمات بذلك خلائق كثيرة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قتل الملك عماد الدين زنكي بن قسيم الدولة آق سنقر التركي ، صاحب الموصل وحلب وغيرها من بلاد الشام والجزيرة ، وكان محاصرا قلعة جعبر ، وفيها سالم بن مالك العقيلي فبرطل بعض مماليك زنكي حتى قتلوه في الليلة الخامسة من ربيع الأول من هذه السنة ، قال العماد الكاتب : كان سكران فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان من خيار الملوك وأحسنهم سيرة وشكلا ، وكان شجاعا مقداما حازما ، خضعت له ملوك الأطراف وكان من أشد الناس غيرة على نساء الرعية ، وأجود الملوك معاملة ، وأرفقهم بالعامة وملك من بعده بالموصل ولده سيف الدين غازي ، وبحلب ولده نور الدين محمود ، فاستعاد نور الدين هذا مدينة الرها وكان أبوه قد فتحها . ثم عصوا فقهرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة ملك عبد المؤمن صاحب المغرب جزيرة الأندلس بعد حروب طويلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 342 ] وفيها ملكت الفرنج ، - لعنهم الله - مدينة طرابلس الغرب وفيها استعاد صاحب دمشق مدينة بعلبك ، وفيها الأمير نجم الدين أيوب من جهة زنكي ، فسلمه القلعة وأعطاه إمرته عنده بدمشق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قتل السلطان مسعود حاجبه عبد الرحمن طغايرك وقتل عباسا صاحب الري وألقى رأسه إلى أصحابه ، فانزعج الناس ونهبوا خيام عباس هذا ، وقد كان عباس من الشجعان المشهورين ، قاتل الباطنية مع مخدومه جوهر فلم يزل يقتل منهم حتى بنى مئذنة من رءوسهم بمدينة الري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها مات نقيب النقباء ببغداد محمد بن طراد الزينبي ، فولي بعده علي بن طلحة الزينبي . وفيها سقط جدار على ابنة الخليفة ، وكانت قد بلغت مبالغ النساء فماتت فحضر جنازتها الأعيان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس نظر الخادم . وحج في هذه السنة نظام الدين بن جهير الوزير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية