الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    [ ص: 454 ] تفسير سورة لم يكن وهي مدنية .

                                                                                                                                                                                                    قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد - وهو ابن سلمة - ، أخبرنا علي - هو ابن زيد - ، عن عمار بن أبي عمار قال : سمعت أبا حية البدري - وهو : مالك بن عمرو بن ثابت الأنصاري - قال : لما نزلت : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " إلى آخرها ، قال جبريل : يا رسول الله ، إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : " إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة " . قال أبي : وقد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال : " نعم " . قال : فبكى أبي .

                                                                                                                                                                                                    حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك : " لم يكن الذين كفروا " قال : وسماني لك ؟ قال : " نعم " . فبكى .

                                                                                                                                                                                                    ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث شعبة به .

                                                                                                                                                                                                    حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان ، حدثنا أسلم المنقري ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أمرت أن أقرأ عليك سورة كذا وكذا " . قلت : يا رسول الله ، وقد ذكرت هناك ؟ قال : " نعم " . فقلت له : يا أبا المنذر ، ففرحت بذلك . قال : وما يمنعني والله يقول : " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " [ يونس : 58 ] . قال مؤمل : قلت لسفيان : القراءة في الحديث ؟ قال : نعم . تفرد به من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                    طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج ، قالا : حدثنا شعبة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " . قال : فقرأ : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " قال : فقرأ فيها : ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال ، فأعطيه لسأل ثانيا ، ولو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب . وإن ذلك الدين عند الله الحنيفية ، غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ، ومن يفعل خيرا فلن يكفره .

                                                                                                                                                                                                    [ ص: 455 ]

                                                                                                                                                                                                    ورواه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي ، عن شعبة به ، وقال : حسن صحيح .

                                                                                                                                                                                                    طريق أخرى : قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن خليد الحلبي ، حدثنا محمد بن عيسى الطباع ، حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا المنذر ، إني أمرت أن أعرض عليك القرآن " . قال : بالله آمنت ، وعلى يدك أسلمت ، ومنك تعلمت . قال : فرد النبي صلى الله عليه وسلم القول . [ قال ] فقال : يا رسول الله ، أذكرت هناك ؟ قال : " نعم ، باسمك ونسبك في الملأ الأعلى " . قال : فاقرأ إذا يا رسول الله .

                                                                                                                                                                                                    هذا غريب من هذا الوجه ، والثابت ما تقدم . وإنما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة تثبيتا له ، وزيادة لإيمانه ، فإنه - كما رواه أحمد والنسائي من طريق أنس عنه ، ورواه أحمد وأبو داود ، من حديث سليمان بن صرد عنه ، ورواه أحمد ، عن عفان ، عن حماد ، عن حميد ، عن أنس ، عن عبادة بن الصامت عنه ، ورواه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عنه كان قد أنكر على إنسان - وهو : عبد الله بن مسعود - قراءة شيء من القرآن على خلاف ما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما ، وقال ، لكل منهما : " أصبت " . قال أبي : فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية . فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره ، قال أبي : ففضت عرقا ، وكأنما أنظر إلى الله فرقا . وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف . فقلت : " أسأل الله معافاته ومغفرته " . فقال : على حرفين . فلم يزل حتى قال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف . كما قدمنا ذكر هذا الحديث بطرقه وألفاظه في أول التفسير . فلما نزلت هذه السورة الكريمة وفيها : " رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة " قرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وتثبيت وإنذار ، لا قراءة تعلم واستذكار ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                    وهذا كما أن عمر بن الخطاب لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عن تلك الأسئلة ، وكان فيما قال : أولم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : " بلى ، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا ؟ " . قال : لا . قال : " فإنك آتيه ، ومطوف به " . فلما رجعوا من الحديبية ، وأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم سورة " الفتح " ، دعا عمر بن الخطاب وقرأها عليه ، وفيها قوله : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " الآية [ الفتح : 27 ] ، كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                    وروى الحافظ أبو نعيم في كتابه " أسماء الصحابة " من طريق محمد بن إسماعيل الجعفري المدني : [ ص: 456 ] حدثنا عبد الله بن سلمة بن أسلم ، عن ابن شهاب ، عن إسماعيل بن أبي حكيم المدني ، حدثني فضيل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليسمع قراءة " لم يكن الذين كفروا " فيقول : أبشر عبدي ، فوعزتي لأمكننه لك في الجنة حتى ترضى " .

                                                                                                                                                                                                    حديث غريب جدا . وقد رواه الحافظ أبو موسى المديني وابن الأثير ، من طريق الزهري ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن نظير المزني - أو : المدني - عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليسمع قراءة " لم يكن الذين كفروا " ويقول : أبشر عبدي ، فوعزتي لا أنساك على حال من أحوال الدنيا والآخرة ، ولأمكنن لك في الجنة حتى ترضى " .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية