الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 281 ] ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في المحرم منها دخل السلطان محمود إلى بغداد ، واجتهد في إرضاء الخليفة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عن دبيس ، وأن يسلم إليه بلاد الموصل ، فامتنع الخليفة من ذلك وأبى أشد الإباء ، هذا وقد تأخر دبيس عن الدخول إلى بغداد ثم دخلها وركب بين الناس فلعنوه وشتموه في وجهه ، وقدم عماد الدين زنكي فبذل للسلطان في كل سنة مائة ألف دينار ، وهدايا وتحفا والتزم للخليفة بمثلها على أن لا يولي دبيسا شيئا ، وعلى أن يستمر زنكي على عمله بالموصل فأقره على ذلك وخلع عليه ، ورجع إلى عمله وملك في هذه السنة حلب وحماة وأسر صاحبها سونج بن تاج الملوك فافتدى منه بخمسين ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين سلخ ربيع الآخر خلع السلطان على نقيب النقباء بالوزارة استقلالا ، ولا يعرف أحد من العباسيين باشر الوزارة غيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رمضان جاء دبيس في جيش إلى الحلة فملكها ودخل إليها ، في أصحابه وكانوا ثلاثمائة فارس ، ثم إنه شرع في جمع الأموال وأخذ الغلات من القرى ، حتى حصل نحوا من خمسمائة ألف دينار ، واستخدم قريبا من عشرة آلاف مقاتل ، وتفاقم الحال بأمره وبعث إلى الخليفة يسترضيه فلم يرض عنه ، وعرض عليه أموالا كثيرة جدا فلم يقبلها الخليفة ، وكتب الخليفة إلى [ ص: 282 ] السلطان فبعث إليه السلطان جيشا فانهزم منهم وذهب إلى البرية ، لا جمع الله به شملا ، وأغار على البصرة فأخذ منها حواصل السلطان والخليفة ، ثم دخل البرية فانقطع خبره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة قتل صاحب دمشق من الباطنية ستة آلاف ، وعلق رأس كبيرهم على باب القلعة وأراح الله أهل الشام منهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حاصرت الفرنج مدينة دمشق فخرج إليهم أهلها فقاتلوهم قتالا شديدا ، وبعث أهل دمشق عبد الوهاب الواعظ ومعه جماعة من التجار إلى بغداد يستغيثون بالخليفة وهموا بكسر منبر الجامع حتى وعدوا بأنهم سيكتبون إلى السلطان ; ليبعث جيشا كثيفا نصرة لأهل الشام فلم يبعث إليهم جيش حتى نصرهم الله من عنده فهزمهم المسلمون ، وقتلوا منهم عشرة آلاف ، ولم يفلت منهم سوى أربعين نفسا ، ولله الحمد والمنة ، وقتل بيمند الفرنجي صاحب أنطاكية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة تخبط الناس في الحج حتى ضاق الوقت بسبب فتنة دبيس - قبحه الله - حتى حج بهم أحد مماليك يرنقش الزكوي وكان اسمه بغاجق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية