الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيما اعترض به المشركون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما تعنتوا عليه في أسئلتهم إياه أنواعا من الآيات ، وخرق العادات ، على وجه العناد ، لا على وجه طلب الهدى والرشاد ; فلهذا لم يجابوا إلى كثير مما طلبوا ، ولا ما إليه رغبوا ; لعلم الحق سبحانه أنهم لو عاينوا وشاهدوا ما أرادوا ، لاستمروا في طغيانهم يعمهون ، ولظلوا في غيهم وضلالهم يترددون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون . [ الأنعام : 109 - 111 ] وقال تعالى : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم [ يونس : 96 - 97 ] [ ص: 127 ] وقال تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا [ الإسراء : 59 ] وقال تعالى : وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا [ الإسراء : 90 - 93 ] . وقد تكلمنا على هذه الآيات وما يشابهها في أماكنها في التفسير ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى يونس وزياد عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم وهو شيخ من أهل مصر يقال له : محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال : اجتمع علية من أشراف قريش وعدد أسماءهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه . فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك . فجاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعا ، وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بداء ، وكان حريصا يحب رشدهم ، ويعز عليه عنتهم ، حتى جلس إليهم ، فقالوا : يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك ، وإنا والله لا [ ص: 128 ] نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ; لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرقت الجماعة ، وما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي فربما كان ذلك ، بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما بي ما تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل علي كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا نذيرا ، فبلغتكم رسالة ربي ، ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم من الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله ، حتى يحكم الله بيني وبينكم " . أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالوا : يا محمد ، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك ، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ، ولا أقل مالا ، ولا أشد عيشا منا . فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ; فإنه كان شيخا صدوقا ، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل ؟ فإن فعلت ما سألناك وصدقوك ، صدقناك وعرفنا به منزلتك [ ص: 129 ] عند الله ، وأنه بعثك رسولا كما تقول . فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما بهذا بعثت ، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به ، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ، فإن تقبلوه ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي ، أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " . قالوا : فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك ; فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك بما تقول ، ويراجعنا عنك ، وتسأله فيجعل لنا جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ، ويغنيك عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم في الأسواق ، وتلتمس المعايش كما نلتمسه ، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك ، إن كنت رسولا كما تزعم . فقال لهم : " ما أنا بفاعل ، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا ، فإن تقبلوا ما جئتكم به ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي ، أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم " . قالوا : فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل . فقال : " ذلك إلى الله ، إن شاء فعل بكم ذلك " . فقالوا : يا محمد ، ما علم ربك أنا سنجلس معك ، ونسألك عما سألناك عنه ، ونطلب منك ما نطلب ، فيتقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به ، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به ؟ فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة ، يقال له : الرحمن . وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا ، فقد أعذرنا إليك يا محمد ، أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا . وقال قائلهم : نحن نعبد الملائكة ، وهي بنات الله ، وقال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله [ ص: 130 ] والملائكة قبيلا . فلما قالوا ذلك ، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال : يا محمد ، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ; ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب ، فوالله لا أومن لك أبدا ، حتى تتخذ إلى السماء سلما ، ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة ، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول ، وايم الله ، لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك . ثم انصرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله حزينا أسفا ; لما فاته مما طمع فيه من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهذا المجلس الذي اجتمع عليه هؤلاء الملأ مجلس ظلم وعدوان وعناد ، ولهذا اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية ألا يجابوا لي ما سألوا ; لأن الله علم أنهم لا يؤمنون بذلك ، فيعاجلهم بالعذاب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كما قال الإمام أحمد : حدثنا عثمان بن محمد حدثنا جرير عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سأل أهل مكة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال فيزدرعوا ، فقيل له : إن شئت أن [ ص: 131 ] تستأني بهم ، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم . قال : " لا ، بل أستأني بهم " . فأنزل الله تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها [ الإسراء : 59 ] الآية وهكذا رواه النسائي من حديث جرير به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران أبي الحكم عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك . قال : " وتفعلون ؟ " . قالوا : نعم قال : فدعا ، فأتاه جبريل ، فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبا ، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة . قال : " بل التوبة والرحمة " . وهذان إسنادان جيدان ، وقد جاء مرسلا عن جماعة من التابعين ; منهم سعيد بن جبير وقتادة وابن جريج وغير واحد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 132 ] وروى الإمام أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " عرض علي ربي عز وجل أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا ، فقلت : لا يا رب ، أشبع يوما وأجوع يوما أو نحو ذلك فإذا جعت ، تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت ، حمدتك وشكرتك " . لفظ أحمد . وقال الترمذي : هذا حديث حسن . وعلي بن يزيد يضعف في الحديث .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال محمد بن إسحاق : حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ، فقالوا لهما : سلوهم عن محمد وصفا لهم صفته ، وأخبراهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء . فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصفا لهم أمره وبعض قوله ، وقالا : إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . قال : فقالت لهم أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم ; سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم ؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف [ ص: 133 ] طاف مشارق الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ، ما هي ؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه ، وإن لم يخبركم فهو رجل متقول ، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش ، فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور . فأخبراهم بها . فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، أخبرنا . فسألوه عما أمروهم به . فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أخبركم غدا بما سألتم عنه " . ولم يستثن ، فانصرفوا عنه ، ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة ، لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة ، وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف ، وقول الله تعالى : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ الإسراء : 85 ] وقد تكلمنا على ذلك كله في " التفسير " مطولا فمن أراده فعليه بكشفه من هناك . [ ص: 134 ] ونزل قوله : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا [ الكهف : 9 ] . ثم شرع في تفصيل أمرهم ، واعترض في الوسط بتعليمه الاستثناء ، تحقيقا لا تعليقا ، في قوله ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت [ الكهف : 23 ، 24 ] ثم ذكر قصة موسى ; لتعلقها بقصة الخضر ثم ذي القرنين ثم قال : ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا [ الكهف : 83 ] ثم شرح أمره ، وحكى خبره ، وقال في سورة " سبحان " : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي أي خلق عجيب من خلقه ، وأمر من أمره ، قال لها : كوني . فكانت ، وليس لكم الاطلاع على كل ما خلقه ، وتفسير كيفيته في نفس الأمر يصعب عليكم ، بالنسبة إلى قدرة الله تعالى وحكمته ; ولهذا قال وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ الإسراء : 85 ] وقد ثبت في " الصحيحين " أن اليهود سألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فتلا عليهم هذه الآية . فإما أنها نزلت مرة ثانية ، أو ذكرها جوابا ، وإن كان نزولها متقدما ، ومن قال : إنها إنما نزلت بالمدينة . واستثناها من سورة " سبحان " ، ففي قوله نظر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : ولما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع [ ص: 135 ] قومه ، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة ، وبمكانها منها ، وتودد فيها أشراف قومه ، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في شعره أنه غير مسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تاركه لشيء أبدا حتى يهلك دونه ، فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما رأيت القوم لا ود فيهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل     وقد صارحونا بالعداوة والأذى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد طاوعوا أمر العدو المزايل     وقد حالفوا قوما علينا أظنة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يعضون غيظا خلفنا بالأنامل     صبرت لهم نفسي بسمراء . سمحة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبيض عضب من تراث المقاول     وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأمسكت من أثوابه بالوصائل     قياما معا مستقبلين رتاجه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لدى حيث يقضي حلفه كل نافل     وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بمفضى السيول من إساف ونائل     موسمة الأعضاد أو قصراتها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مخيسة بين السديس وبازل     ترى الودع فيها والرخام وزينة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بأعناقها معقودة كالعثاكل     أعوذ برب الناس من كل طاعن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علينا بسوء أو ملح بباطل [ ص: 136 ]     ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن ملحق في الدين ما لم نحاول     وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وراق لبر في حراء ونازل     وبالبيت حق البيت من بطن مكة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبالله إن الله ليس بغافل     وبالحجر المسود إذ يمسحونه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل     وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على قدميه حافيا غير ناعل     وأشواط بين المروتين إلى الصفا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما فيهما من صورة وتماثل     ومن حج بيت الله من كل راكب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن كل ذي نذر ومن كل راجل     وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلالا إلى مفضى الشراج القوابل     وتوقافهم فوق الجبال عشية
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يقيمون بالأيدي صدور الرواحل     وليلة جمع والمنازل من منى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهل فوقها من حرمة ومنازل     وجمع إذا ما المقربات أجزنه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سراعا كما يخرجن من وقع وابل     وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يؤمون . قذفا رأسها بالجنادل     وكندة إذ هم بالحصاب عشية
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجيز بهم حجاج بكر بن وائل [ ص: 137 ]     حليفان شدا عقد ما احتلفا له
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وردا عليه عاطفات الوسائل     وحطمهم سمر الصفاح وسرحه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وشبرقه وخد النعام الجوافل     فهل بعد هذا من معاذ لعائذ
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهل من معيذ يتقي الله عاذل     يطاع بنا العدى وودوا لو اننا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تسد بنا أبواب ترك وكابل     كذبتم وبيت الله نترك مكة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونظعن إلا أمركم في بلابل     كذبتم وبيت الله نبزى محمدا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما نطاعن دونه ونناضل     ونسلمه حتى نصرع حوله
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونذهل عن أبنائنا والحلائل     وينهض قوم بالحديد إليكم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل     وحتى نرى ذا الضغن يركب ردعه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من الطعن فعل الأنكب المتحامل     وإنا لعمر الله إن جد ما أرى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لتلتبسن أسيافنا بالأماثل     بكفي فتى مثل الشهاب سميدع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أخي ثقة حامي الحقيقة باسل     شهورا وأياما وحولا مجرما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علينا وتأتي حجة بعد قابل [ ص: 138 ]     وما ترك قوم لا أبا لك سيدا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يحوط الذمار غير ذرب مواكل     وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثمال اليتامى عصمة للأرامل     يلوذ به الهلاك من آل هاشم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فهم عنده في رحمة وفواضل     لعمري لقد أجرى أسيد وبكره
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى بغضنا وجزآنا لآكل     وعثمان لم يربع علينا وقنفذ
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولكن أطاعا أمر تلك القبائل     أطاعا أبيا وابن عبد يغوثهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يرقبا فينا مقالة قائل     كما قد لقينا من سبيع ونوفل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكل تولى معرضا لم يجامل     فإن يلفيا أو يمكن الله منهما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نكل لهما صاعا بصاع المكايل .     وذاك أبو عمرو أبى غير بغضنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ليظعننا في أهل شاء وجامل     يناجي بنا في كل ممسى ومصبح
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فناج أبا عمرو بنا ثم خاتل     ويؤلي لنا بالله ما إن يغشنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بلى قد نراه جهرة غير حائل     أضاق عليه بغضنا كل تلعة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من الأرض بين أخشب فمجادل [ ص: 139 ]     وسائل أبا الوليد ماذا حبوتنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بسعيك فينا معرضا كالمخاتل     وكنت امرأ ممن يعاش برأيه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورحمته فينا ولست بجاهل     فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حسود كذوب مبغض ذي دغاول     ومر أبو سفيان عني معرضا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كما مر قيل من عظام المقاول     يفر إلى نجد وبرد مياهه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويزعم أني لست عنكم بغافل     ويخبرنا فعل المناصح أنه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شفيق ويخفي عارمات الدواخل     أمطعم لم أخذلك في يوم نجدة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا معظم عند الأمور الجلائل     ولا يوم خصم إذ أتوك ألدة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أولي جدل من الخصوم المساجل     أمطعم إن القوم ساموك خطة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإني متى أوكل فلست بوائل     جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عقوبة شر عاجلا غير آجل     بميزان قسط لا يخس شعيرة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      له شاهد من نفسه غير عائل     لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بني خلف قيضا بنا والغياطل     ونحن الصميم من ذؤابة هاشم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وآل قصي في الخطوب الأوائل [ ص: 140 ]     وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علينا العدى من كل طمل وخامل     فعبد مناف أنتم خير قومكم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا تشركوا في أمركم كل واغل     لعمري لقد وهنتم وعجزتم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجئتم بأمر مخطئ للمفاصل     وكنتم حديثا حطب قدر وأنتم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألان حطاب أقدر ومراجل     ليهن بني عبد مناف عقوقنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      . وخذلاننا وتركنا في المعاقل     فإن نك قوما نتئر ما صنعتم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتحتلبوها لقحة غير باهل     وسائط كانت في لؤي بن غالب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نفاهم إلينا كل صقر حلاحل     ورهط نفيل شر من وطئ الحصى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وألأم حاف من معد وناعل     فأبلغ قصيا أن سينشر أمرنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل     ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا ما لجأنا دونهم في المداخل     ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لكنا أسى عند النساء المطافل     فكل صديق وابن أخت نعده
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لعمري وجدنا غبه غير طائل [ ص: 141 ]     سوى أن رهطا من كلاب بن مرة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      براء إلينا من معقة خاذل     وهنا لهم حتى تبدد جمعهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويحسر عنا كل باغ وجاهل     وكان لنا حوض السقاية فيهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونحن الكدى من غالب والكواهل     شباب من المطيبين وهاشم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كبيض السيوف بين أيدي الصياقل     فما أدركوا ذحلا ولا سفكوا دما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا حالفوا إلا شرار القبائل     بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضواري أسود فوق لحم خرادل     بني أمة محبوبة هندكية
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بني جمح عبيد قيس بن عاقل     ولكننا نسل كرام لسادة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بهم نعي الأقوام عند البواطل     ونعم ابن أخت القوم غير مكذب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      زهير حساما مفردا من حمائل     أشم من الشم البهاليل ينتمي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى حسب في حومة المجد فاضل     لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإخوته دأب المحب المواصل     فمن مثله في الناس أي مؤمل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا قاسه الحكام عند التفاضل      [ ص: 142 ] حليم رشيد عادل غير طائش
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يوالي إلها ليس عنه بغافل     كريم المساعي ماجد وابن ماجد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      له إرث مجد ثابت غير ناصل     وأيده رب . العباد بنصره
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأظهر دينا حقه غير زائل     فوالله لولا أن أجيء بسبة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجر على أشياخنا في المحافل     لكنا اتبعناه على كل حالة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من الدهر جدا غير قول التهازل     لقد علموا أن ابننا لا مكذب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لدينا ولا يعنى بقول الأباطل     فأصبح فينا أحمد في أرومة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تقصر عنها سورة المتطاول     حدبت بنفسي دونه وحميته
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودافعت عنه بالذرا والكلاكل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : هذا ما صح لي من هذه القصيدة ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : هذه قصيدة عظيمة فصيحة بليغة جدا ; لا يستطيع أن يقولها إلا [ ص: 143 ] من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السبع ، وأبلغ في تأدية المعنى منها جميعا ، وقد أوردها الأموي في " مغازيه " مطولة بزيادات أخر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية