الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في ذوي الأرحام والمولى من أسفل ومن أسلم على يد رجل وغير ذلك 2556 - ( عن المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من ترك مالا فلورثته ، وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرث ، والخال وارث من لا وارث له ، يعقل عنه ويرثه } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            2557 - ( وعن أبي أمامة بن سهل { أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له وارث إلا خال ، فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له } رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه المرفوع ، وقال : حديث حسن )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث المقدام أخرجه أيضا النسائي والحاكم وابن حبان وصححاه ، وحسنه أبو زرعة الرازي ، وأعله البيهقي بالاضطراب ، ونقل عن يحيى بن معين أنه كان يقول : ليس فيه حديث قوي وحديث عمر ذكره في التلخيص ولم يتكلم عليه ، وقد حسنه الترمذي كما ذكره المصنف ورواه عن بندار عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : " كتب عمر بن الخطاب " فذكره وفي الباب عن عائشة عند الترمذي والنسائي والدارقطني من رواية طاوس عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الخال وارث من لا وارث له } قال الترمذي : حسن غريب ، وأعله النسائي بالاضطراب ، ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه قال الترمذي : وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة قال البزار : أحسن إسناد فيه حديث أبي أمامة بن سهل وأخرجه عبد الرزاق عن رجل من أهل [ ص: 76 ] المدينة والعقيلي وابن عساكر عن أبي الدرداء وابن النجار عن أبي هريرة كلها مرفوعة

                                                                                                                                            وقد استدل بحديثي الباب وما في معناهما على أن الخال من جملة الورثة قال الترمذي : واختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة ، وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام

                                                                                                                                            وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم ، وجعل الميراث في بيت المال ا هـ . وقد حكى صاحب البحر القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي وابن مسعود وأبي الدرداء والشعبي ومسروق ومحمد بن الحنفية والنخعي والثوري والحسن بن صالح وأبي نعيم ويحيى بن آدم والقاسم بن سلام والعترة وأبي حنيفة وإسحاق والحسن بن زياد قالوا : إذا لم يكن معهم أحد من العصبة وذوي السهام ، وإلى ذلك ذهب فقهاء العراق والكوفة والبصرة وغيرهم وحكي في البحر أيضا عن زيد بن ثابت والزهري ومكحول والقاسم بن إبراهيم والإمام يحيى ومالك والشافعي أنه لا ميراث لهم ، وبه قال فقهاء الحجاز

                                                                                                                                            احتج الأولون بالأحاديث المتقدمة وبحديث عائشة الآتي وبعموم قوله تعالى: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } وقوله تعالى: { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } ولفظ الرجال والنساء والأقربين يشملهم ، والدليل على مدعي التخصيص وأجاب الآخرون عن ذلك فقالوا : عمومات الكتاب محتملة وبعضها منسوخ ، والأحاديث فيها ما تقدم من المقال ويجاب عن ذلك بأن دعوى الاحتمال إن كانت لأجل العموم فليس ذلك مما يقدح في الدليل وإلا استلزم إبطال الاستدلال بكل دليل عام وهو باطل ، وإن كانت لأمر آخر فما هو ؟ وأما الاعتذار عن أحاديث الباب بما فيها من المقال فقد عرفت من صححها من الأئمة ومن حسنها ، ولا شك في انتهاض مجموعها للاستدلال إن لم ينتهض الإفراد ومن جملة ما استدلوا به على إبطال ميراث ذوي الأرحام حديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سألت الله عز وجل عن ميراث العمة والخالة فسارني أن لا ميراث لهما } أخرجه أبو داود في المراسيل والدارقطني من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا ، وأخرجه النسائي من مرسل زيد بن أسلم ويجاب بأن المرسل لا تقوم به الحجة قالوا : وصله الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد والطبراني ويجاب بأن إسناد الحاكم ضعيف ، وإسناد الطبراني فيه محمد بن الحارث المخزومي قالوا : وصله أيضا الطبراني من حديث أبي هريرة ويجاب بأنه ضعفه بمسعدة بن اليسع الباهلي قالوا : وصله الحاكم أيضا من حديث ابن عمر وصححه ويجاب بأن في إسناده عبد الله بن جعفر المديني وهو ضعيف قالوا : روى له الحاكم شاهدا من حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن الحارث بن عبد مرفوعا ويجاب بأن في إسناده سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك قالوا : [ ص: 77 ] أخرجه الدارقطني من وجه آخر عن شريك ويجاب بأنه مرسل

                                                                                                                                            وكل هذه الطرق لا تقوم بها حجة ، وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فهي واردة في الخالة والعمة ، فغايتها أنه لا ميراث لهما ، وذلك لا يستلزم إبطال ميراث ذوي الأرحام ، على أنه قد قيل : إن المراد بقوله : لا ميراث لهما : أي مقدر

                                                                                                                                            ومما يؤيد ثبوت ميراث ذوي الأرحام ما سيأتي في باب ميراث ابن الملاعنة من جعله صلى الله عليه وسلم ميراثه لورثتها من بعدها وهم أرحام له لا غير ومن المؤيدات لميراث ذوي الأرحام ما أخرجه أبو داود من حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال : { ابن أخت القوم منهم } وأخرجه النسائي من حديث أنس بلفظ : { من أنفسهم } قال المنذري في مختصر السنن : وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي قوله صلى الله عليه وسلم : { ابن أخت القوم منهم } مختصرا ومطولا ومن الأجوبة المتعسفة قول ابن العربي : إن المراد بالخال السلطان ، وأما ما يقال من أن قوله صلى الله عليه وسلم : { الخال وارث من لا وارث له } يدل على أنه غير وارث ، فيجاب عنه بأن المراد من لا وارث له سواه ، ونظير هذا التركيب كثير في كلام العرب ، على أن محل النزاع هو إثبات الميراث له ، وقد أثبته له صلى الله عليه وسلم وهو المطلوب




                                                                                                                                            الخدمات العلمية