الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ، أو كاتبن ، أو كاتب من كاتبن ، وعنه : في بنت المعتق خاصة ترث ، والأول أصح ، ولا يرث منه ذو فرض ، إلا الأب والجد ، يرثان السدس مع الابن ، والجد يرث الثلث مع الأخوة ، إذا كان أحظ له ، والولاء لا يورث ، وإنما يورث به ، ولا يباع ، ولا يوهب ، وهو للكبر خاصة فإذا مات المعتق ، وخلف عتيقه وابنين ، فمات أحد الابنين بعده عن ابن ، ثم مات العتيق ، فالميراث لابن المعتق ، وإن مات الابنان بعده وقبل المولى ، وخلف أحدهما ابنا ، والآخر تسعة ، فولاؤه بينهم على عددهم ، لكل واحد عشرة ، وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما ، فعتق عليهما ، ثم اشترى عبدا ، فأعتقه ، ثم مات المعتق ، ثم مات مولاه ، ورثه الرجل دون أخته ، وإذا ماتت المرأة ، وخلفت ابنها ، وعصبتها غيره ومولاها ، فولاؤه لابنها ، وعقله على عصبتها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن ) وأولادهما ومن جروا ولاءه ( أو كاتبن ، أو كاتب من كاتبن ) هذا ظاهر كلام أحمد ، واختاره الأكثر ، وروي عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم ، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم ، فكان كالإجماع ، وسنده ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ، قال ميراث الولاء للكبر من الذكور ، ولا يرث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ولأن الولاء مشبه بالنسب ، والمولى المعتق من المولى المنعم بمنزلة أخيه أو عمه ، فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه أو عمه ، ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة ، ويستثنى منه إلا عتيق ابن ملاعنة ، فإن الملاعنة ترثه على المنصوص إن عدم الابن ، وقلنا : هي العصبة وإلا عصبتها ( وعنه في بنت المعتق خاصة ترث ) نقلها أبو طالب ، ووهمه أبو بكر في حكايتها عنه ، واختارها القاضي وأصحابه ، وإليها ميل المجد في المنتقى ، واحتج الإمام أحمد بما روى ابن عباس أن مولى لحمزة توفي ، وترك ابنته ، وابنة حمزة ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف ، وابنة حمزة النصف ورواه الدارقطني ، وقد روى إبراهيم النخعي ، ويحيى بن آدم ، وإسحاق : أن المولى كان لحمزة ، واعترض عليه : بأن المولى كان لابنة حمزة ، قاله أحمد في رواية ابن القاسم ، وسأله : [ ص: 279 ] هل كان المولى لحمزة أو لابنته ؛ فقال : لابنته ، فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها ; لأنها هي المعتقة ، وصححه في الكافي والشرح ، ويرشحه ما روى ابن ماجه ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن عبد الله بن شداد ، عن بنت حمزة ، وهي أخت ابن شداد لأمه ، قالت : مات مولاي ، وترك ابنة ، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته ، فجعل لي النصف ، ولها النصف . ورد بأن ابن أبي ليلى ضعيف ، ثم يحتمل تعدد الواقعة ، فلا معارضة ، ولو سلم الاتحاد ، فيحتمل أنه أضيف مولى الوالد إلى الولد ، بناء على أن الولاء ينتقل إليه ، أو أنه يرث به ، وعنه : أنها ترث مع عدم عصبة ، وعنه : ترث مع أخيها ، فلو اشترى هو وأخته أباهما ، فعتق ، ثم اشترى عبدا وأعتقه ، ثم مات عتيقه بعد أبيه ، ورثه ابنه لابنته ، وعلى الثانية : يرثانه أثلاثا ، فلو نكحت عتيقها ، وأحبلها ، فهي القائلة : إن ألد أنثى ، فالنصف ، وذكرا ، فالثمن ، وإن لم ألد فالجميع ( والأول أصح ) لإجماع الصحابة ومن بعدهم عليه .

                                                                                                                          مسائل : إذا خلف بنت معتقه وابن عم معتقه ، فلا شيء للبنت ، وجميع المال لابن عم المعتق ، على الأولى ، وعلى الثانية : للبنت النصف ، والباقي لابن العم ، ولو خلف المعتق بنته وبنت معتقه ، فالمال كله لابنته على الأولى بالفرض والرد ، وعلى الثانية لابنته النصف ، ولابنة معتقه النصف ، ولو كان بدل بنت معتقه أخت معتقه ، فلا شيء لها قولا واحدا .

                                                                                                                          ( ولا يرث منه ) بالولاء ( ذوا فرض ) كالأخ من الأم ، والزوج ، إذا لم [ ص: 280 ] يكونا ابني عم ( إلا الأب والجد ، يرثان السدس مع الابن ) نص عليه في رواية جماعة ; لأنهما يرثان ذلك في غير الولاء ، فكذا في الولاء ، واختار أبو إسحاق سقوطهما مع ابن ، وهو قول زيد ، وأكثر الفقهاء ; لأن الابن أقرب العصبة ، وهما يرثان معه بالفرض ، ولا يرث بالولاء ذو فرض ، وجوابه : بأنه عصبة وارث ، فاستحق من الولاء كالأخوين ، ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب ، بل هما فيه سواء ، وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما الآخر ، بل يتفاضلان في الميراث ، وكذا في الإرث بالولاء ، وفي الانتصار ربما حملنا توريث أب سدسا بفرض مع ابن على رواية توريث بنت المولى ، فيجيء من هذا أنه يرث قرابة المولى بالولاء على نحو ميراثهم .

                                                                                                                          ( والجد يرث الثلث مع الأخوة ، إذا كان أحظ له ) أي : إذا زاد عدد البنين على اثنين ; لأنه يرث ذلك معهم في غير الولاء ، فكذا في الولاء ، وإن خلف المعتق أخاه وجده ، فالولاء بينهما نصفان ، وعن زيد : المال للأخ ; لأنه ابن الأب ، والجد أبوه ، والابن أحق من الأب ، ومن جعل الجد أبا ، ورثه وجده ، وفي المحرر والفروع : إن الجد كأخ ، وإن كثروا ، قال في الترغيب : وهو أقيس ، ويعاد الإخوة من الأبوين الجد بالأخوة من الأب ، ثم يأخذوا ما حصل لهم كالميراث ، وقال ابن سريج : هو على عددهم ، ورد بالميراث ، ولا يعتد بالأخوات ; لأنهن لا يرثن منفردات ، وكالأخوة من الأم ، وولد الأب إذا انفردن مع الجد كولد الأبوين .

                                                                                                                          مسائل : إذا خلف جد مولاه ، وابن أخي مولاه ، فالمال للجد في قولهم [ ص: 281 ] جميعا ، وكما لو خلف جد مولاه وعم مولاه ، فلو ترك جد أبي مولاه ، وعم مولاه ، فهو للجد في قول أهل العراق ، وقال الشافعي : هو للعم وبنيه ، وإن سفلوا دون جد الأب .

                                                                                                                          فرع : لا يرث المولى من أسفل معتقه في قول عامتهم ، وحكي عن شريح وطاوس أنهما ورثاه ; لحديث ابن عباس ، حسنه الترمذي ، وروي ذلك عن عمر ، وعلى الأول : لا يعقل عنه .

                                                                                                                          ( والولاء لا يورث وإنما يورث به ) في قول الأكثر ; لأنه عليه السلام شبهه بالنسب ، والنسب لا يورث ، وإنما يورث به ، ولأن الولاء إنما يحصل بإنعام السيد على رقيقه بالعتق ، وهذا المعنى لا ينتقل عن العتق فكذا الولاء ( ولا يباع ، ولا يوهب ) أي : لا يصح ; لأنه عليه السلام نهى عن بيع الولاء وهبته ، ولا يجوز شراؤه ، ولا وقفه ، ولا أن يأذن لمولاه ، فيوالي من شاء ، لكن روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار : أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس ، وكان مكاتبا . وروي عنها أيضا : أنها وهبت ولاء مواليها للعباس ، وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أذنت لمولاي أن يوالي من شاء ، فيجوز ؛ قال : نعم ، وجوابه ما سبق ، وبأنه عليه السلام ، قال : لعن الله من تولى غير مواليه ولأنه معنى يورث به ، فلا ينتقل عنه كالقرابة ، فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن المعتق بموته ، ولا يرثه ورثته ، وإنما يرثون المال به مع بقائه ، وهو للمعتق ( وهو للكبر خاصة ) أي : أنه يرث بالولاء أقرب عصبات السيد إليه يوم مات عتيقه لا يوم مات السيد ، هذا هو المختار للأصحاب ، والمشهور من الروايتين ، [ ص: 282 ] قال أحمد في رواية صالح : حديث عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أحرز الوالد والولد ، فهو لعصبته من كان يرويه عمرو بن شعيب ، وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود ، أنهم قالوا : الولاء للكبر ، فهذا الذي نذهب إليه ، وهو قول أكثر الناس قلت : وقد رواه سعيد ، ثنا هشيم ، ثنا ابن سوار ، عن الشعبي ، أن عمر وعليا وزيدا وابن مسعود جعلوا الولاء للكبر . والثانية ، ونقلها حنبل وابن الحكم : أن الولاء يورث كالمال ، وقاله جمع من الصحابة ، ومعناه أن من ملك شيئا في حياته ، فهو لورثته ، لكن يختص به العصبة ( فإذا ) هذا تفريع على المسألة وتوضيح لها ( مات المعتق ، وخلف عتيقه وابنين ، فمات أحد الابنين بعده عن ابن ، ثم مات العتيق ، فالميراث لابن المعتق ) نص عليه في رواية أبي طالب ; لأن ابن المعتق أقرب الناس إليه يوم مات المعتق ، قال أحمد : قوله عليه السلام أعطه أكبر خزاعة ليس أكبرهم سنا ، ولكن أقربهم إلى خزاعة ، وعلى الثانية : هو بينهما نصفان ; لأنه لما مات المولى المنعم ، ورث ابناه الولاء بينهما نصفين ، فإذا مات أحدهما انتقل نصيبه إلى ابنه ( وإن مات الابنان بعده وقبل المولى ، وخلف أحدهما ابنا ، والآخر تسعة ، فولاؤه بينهم على عددهم ) نص عليه ( لكل واحد عشرة ) لأن الجميع إلى القرب إلى السيد يوم مات العتيق سواء ، وعلى الأخرى ، ونص عليها هنا في رواية بكر بن محمد : لابن الابن النصف إرثا عن أبيه ، والنصف الآخر على بني الابن الآخر على تسعة ، وتصح من ثمانية عشر .

                                                                                                                          فرع : إذا لم يخلف عصبة من نسب مولاه ، فماله لمولى أمه ، ثم لأقرب [ ص: 283 ] عصباته ، فإذا انقرض العصبات ، وموالي عصباتهم ، فماله لبيت المال .

                                                                                                                          ( وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما ، فعتق عليهما ) يعني : بالملك ( ثم اشترى عبدا فأعتقه ، ثم مات المعتق ) فميراثه بينهما أثلاثا بالنسب ( ثم مات مولاه ، ورثه الرجل ) لأنه ابن المعتق أو أخوه ، فورثه بالنسب ( دون أخته ) لأنها مولاة المعتق ، وعصبة المعتق تقدم على مولاه ، وروي عن مالك أنه قال : سألت عنها سبعين قاضيا من قضاة العراق ، فأخطئوا فيها ، قال في المستوعب : وهذا مما لا خلاف فيه ، إلا على ما نقله الخرقي في بنت المعتق خاصة ، وحينئذ إذا اشتريا أباهما ، كان ميراث العبد بينهما أثلاثا .

                                                                                                                          مسألة : إذا خلف بنت مولاه ومولى أبيه ، فماله لبيت المال ; لأنه ثبت عليه الولاء من جهة مباشرته العتق ، فلم يثبت عليه بإعتاق أبيه .

                                                                                                                          فائدة : امرأة حرة لا ولاء عليها ، وأبواها رقيقان ، فيتصور إذا كانوا كفارا ، فتسلم هي ويسبى أبواها ، ويسترقان ، وإذا كان أبوها عبدا تزوج بأمة ، على أنها حرة ، فولدتها ثم ماتت .

                                                                                                                          ( وإذا ماتت المرأة ، وخلفت ابنها ، وعصبتها غيره ومولاها ، فولاؤه لابنها ، وعقله على عصبتها ) لما روى إبراهيم ، قال : اختصم علي والزبير في مولى صفية ، فقال علي : مولى عمتي ، وأنا أعقل عنه ، وقال الزبير : مولى أمي وأنا أرثه ، فقضى عمر على علي بالعقل ، وقضى للزبير بالميراث ، رواه سعيد واحتج به أحمد ، وظاهره : أن الابن ليس من العصبة ، وهو مقتضى كلام الأكثرين ، ومنهم من [ ص: 284 ] يجعله منها كالرواية الأخرى ، يقول : الولاء له ، والعقل عليه ، فإن باد بنوها ، فولاؤه لعصبتها ، ونقل عنه جعفر بن محمد : ولاؤه لعصبة بنيها ، وهو موافق للولاء يورث ، ثم لعصبة بنتها ، وقيل : لبيت المال ، ولم يفرق الخرقي وابن حمدان بين الرجل والمرأة ، والأكثر كالمتن ، قال في الشرح : أما الرجل المعتق ، فإنه يعقل عن معتقه ; لأنه عصبة من أهل العقل ، ويعقل ابنه وأبوه ; لأنهما من عصباته وعشيرته ، فلا يلحق ابنه من نفي العقل بابن المرأة ; لأنها لا تعقل ابنها .




                                                                                                                          الخدمات العلمية