الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 166 ] ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وأربعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها أخذت الفرنج - خذلهم الله تعالى - بيت المقدس ; لما كان ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة ثنتين وتسعين وأربعمائة ، استحوذ الفرنج - لعنهم الله - بيت المقدس - شرفه الله - وهم في نحو ألف ألف مقاتل ، فقتلوا في وسطه أزيد من سبعين ألف قتيل من المسلمين ، وجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : وأخذوا من حول الصخرة اثنين وأربعين قنديلا من فضة ، زنة كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة درهم ، وأخذوا تنورا من فضة ، زنته أربعون رطلا بالشامي وثلاثة وعشرين قنديلا من ذهب ، وذهب الناس على وجوههم هازعين من الشام إلى العراق مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة والسلطان ، منهم القاضي بدمشق أبو سعد الهروي ، فلما سمع الناس ببغداد هذا الأمر الفظيع هالهم ذلك وتباكوا ، وقد نظم أبو سعد الهروي كلاما قرئ في الديوان وعلى المنابر ، فجهش الناس بالبكاء ، وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج [ ص: 167 ] إلى البلاد ليحرضوا الملوك على الجهاد ، فخرج ابن عقيل وغير واحد من أعيان الفقهاء ، فساروا في الناس فلم يفد ذلك شيئا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون فقال في ذلك أبو المظفر الأبيوردي :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مزجنا دماء بالدموع السواجم فلم يبق منا عرضة للمراحم     وشر سلاح المرء دمع يفيضه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا الحرب شبت نارها بالصوارم     فإيها بني الإسلام إن وراءكم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقائع يلحقن الذرى بالمناسم     وكيف تنام العين ملء جفونها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على هفوات أيقظت كل نائم     وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ظهور المذاكي أو بطون القشاعم     تسومهم الروم الهوان وأنتم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجرون ذيل الخفض فعل المسالم     وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تظل لها الولدان شيب القوادم     وتلك حروب من يغب عن غمارها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ليسلم يقرع بعدها سن نادم     سللن بأيدي المشركين قواضبا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ستغمد منهم في الطلى والجماجم     يكاد لهن المستجن بطيبة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم     أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رماحهم والدين واهي الدعائم     ويجتنبون الثأر خوفا من الردى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا يحسبون العار ضربة لازم     أيرضى صناديد الأعاريب بالأذى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتغضي على ذل كماة الأعاجم [ ص: 168 ]     فليتهم إذ لم يذودوا حمية
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم     وإن زهدوا في الأجر إذ حمي الوغى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فهلا أتوه رغبة في المغانم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كان ابتداء أمر السلطان محمد بن ملكشاه وهو أخو السلطان سنجر لأبيه وأمه واستفحل أمره إلى أن صار من أمره أن خطب له ببغداد في ذي الحجة من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها سار إلى الري فوجد زبيدة خاتون أم أخيه بركياروق فأمر بخنقها - وكان عمرها إذ ذاك ثنتين وأربعين - سنة في ذي الحجة من هذه السنة وكانت له مع بركياروق خمس وقعات هائلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة غلت الأسعار جدا ببغداد حتى مات كثير من الناس جوعا وأصابهم وباء شديد حتى عجزوا عن دفن الموتى من كثرتهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية