الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يوم فيف الريح

وهو بين عامر بن صعصعة والحارث بن كعب ، وكان خبره أن بني عامر كانت تطلب بني الحارث بن كعب بأوتار كثيرة ، فجمع لهم الحصين بن يزيد بن شداد بن قنان الحارثي ، وهو ذو الغصة ، واستعان بجعفي وزبيد وقبائل سعد العشيرة ومراد وصداء ونهد وخثعم وشهران وناهس . ثم أقبلوا يريدون بني عامر وهم منتجعون مكانا يقال له فيف الريح ، ومع مذحج النساء والذراري حتى لا يفروا . فاجتمعت بنو عامر ، فقال لهم عامر بن الطفيل : أغيروا بنا على القوم ، فإني أرجو أن نأخذ غنائمهم ونسبي نساءهم ، ولا تدعوهم يدخلون عليكم . فأجابوه إلى ذلك وساروا إليهم . فلما دنوا من بني الحارث ومذحج ومن معهم أخبرتهم عيونهم وعادت إليهم مشايخهم ، فحذروا فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا ثلاثة أيام يغادونهم القتال بفيف الريح ، فالتقى الصميل بن الأعور الكلابي وعمرو بن صبيح النهدي ، فطعنه عمرو ، فاعتنق الصميل فرسه وعاد ، فلقيه رجل من خثعم فقتله وأخذ درعه وفرسه .

وشهدت بنو نمير يومئذ مع عامر بن الطفيل فأبلوا بلاء حسنا ، وسموا ذلك اليوم حريجة الطعان لأنهم اجتمعوا برماحهم فصاروا بمنزلة الحرجة ، وهي شجر مجتمع .

وسبب اجتماعهم أن بني عامر جالوا جولة إلى موضع يقال له العرقوب ، والتفت عامر بن الطفيل فسأل عن بني نمير فوجدهم قد تخلفوا في المعركة ، فرجع وهو يصيح : يا صباحاه ! يا نميراه ! ولا نمير لي بعد اليوم ! حتى اقتحم فرسه وسط القوم ، فقويت نفوسهم ، وعادت بنو عامر وقد طعن عامر بن الطفيل ما بين ثغرة نحره إلى سرته [ ص: 566 ] عشرين طعنة . وكان عامر في ذلك اليوم يتعهد الناس فيقول : يا فلان ما رأيتك فعلت شيئا ، فمن أبلى فليرني سيفه أو رمحه ، ومن لم يبل شيئا تقدم فأبلى ، فكان كل من أبلى بلاء حسنا أتاه ، فأراه الدم على سنان رمحه أو سيفه ، فأتاه رجل من الحارثيين اسمه مسهر ، فقال له : يا أبا علي انظر ما صنعت بالقوم ! انظر إلى رمحي ! فلما أقبل عليه عامر لينظر ، وجأه بالرمح في وجنته ففلقها وفقأ عينه وترك رمحه وعاد إلى قومه . وإنما دعاه إلى ذلك ما رآه يفعل بقومه ، فقال : هذا والله مبير قومي ! فقال عامر بن الطفيل :

أتونا بشهران العريضة كلها وأكلب طرا في جياد السنور     لعمري وما عمري علي بهين
لقد شان حر الوجه طعنة مسهر     فبئس الفتى أن كنت أعور عاقرا
جبانا وما أغنى لدى كل محضر



وأسرت بنو عامر يومئذ سيد مراد جريحا ، فلما برأ من جراحته أطلق .

وممن أبلى يومئذ أربد بن قيس بن حر بن خالد بن جعفر ، وعبيد بن شريح بن الأحوص بن جعفر .

وقال لبيد بن ربيعة ، ويقال إنها لعامر بن الطفيل :

أتونا بشهران العريضة كلها     وأكلبها في مثل بكر بن وائل
فبتنا ومن ينزل به مثل ضيفنا     يبت عن قرى أضيافه غير غافل
أعاذل لو كان البداد لقوبلوا     ولكن أتانا كل جن وخابل
وخثعم حي يعدلون بمذحج فهل     نحن إلا مثل إحدى القبائل



وأسرع القتل في الفريقين جميعا ، ثم إنهم افترقوا ولم يشتغل بعضهم عن بعض بغنيمة ، وكان الصبر فيها والشرف لبني عامر .

التالي السابق


الخدمات العلمية