الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 512 ] يحيى بن يحيى ( خ ، م ، ت ، س )

                                                                                      ابن بكر بن عبد الرحمن ، شيخ الإسلام ، وعالم خراسان أبو زكريا التميمي المنقري النيسابوري الحافظ .

                                                                                      كتب ببلده وبالحجاز والعراق والشام ومصر .

                                                                                      لقي صغارا من التابعين ، منهم كثير بن سليم ، وأخذ عنه ، وعن عبد الله بن جعفر المخرمي ، ويزيد بن المقدام ، وزهير بن معاوية ، ومالك ، وشريك القاضي ، وسعير بن الخمس ، وأبي عقيل يحيى بن المتوكل ، وسليمان بن بلال ، والليث بن سعد ، وعبد الرحمن بن أبي الموال ، وعطاف بن خالد ، وإبراهيم بن سعد ، وابن أبي الزناد ، والمنكدر بن محمد ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، ومسلم بن خالد ، ومعاوية بن عبد الكريم ، وخلف بن خليفة ، ويزيد بن زريع ، وعبثر بن القاسم ، وأمم سواهم .

                                                                                      وعنه : البخاري ، ومسلم ، وحميد بن زنجويه ، ومحمد بن نصر المروزي ، وأحمد بن سيار ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، ومحمد بن رافع القشيري ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وابنه يحيى حيكان ، وزكريا بن داود الخفاف ، ومحمد بن عمرو الجرشي ، وجعفر بن محمد بن الترك ، ومحمد بن عبد السلام بن بشار ، وإبراهيم بن علي الذهلي ، [ ص: 513 ] وداود بن الحسين البيهقي ، وعلي بن الحسين الصفار ، وخلائق .

                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد السلام الشافعي ، وزينب بنت عمر ، قالا : أنبأتنا زينب بنت أبي القاسم ، أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم القارئ ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أخبرنا بشر بن أحمد الإسفراييني ، حدثنا داود بن الحسين بن عقيل ، حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، قال : قرأت على مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث ما توجهت به .

                                                                                      ولد يحيى بن يحيى سنة اثنتين وأربعين ومائة نقله أبو عمرو المستملي ، عن أبي الطيب المكفوف صاحب يحيى بن يحيى .

                                                                                      يحيى بن محمد بن يحيى : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : ما رأيت مثل يحيى بن يحيى ، ولا أحسب أنه رأى مثل نفسه .

                                                                                      وقال أبو داود الخفاف : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما رأى يحيى بن يحيى مثل نفسه ، وما رأى الناس مثله . رواها أبو عثمان سعيد بن شاذان عنه .

                                                                                      [ ص: 514 ] قال أحمد بن سلمة : سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول : مات يحيى بن يحيى يوم مات وهو إمام لأهل الدنيا .

                                                                                      أبوالعباس السراج : سمعت الحسين بن عبدش وكان ثقة ، سمعت محمد بن أسلم يقول : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام ، فقلت : عمن أكتب ؟ فقال : عن يحيى بن يحيى .

                                                                                      قال خشنام بن سعيد : سمعت أحمد بن حنبل يقول : كان يحيى بن يحيى عندي إماما ، ولو كانت عندي نفقة ، لرحلت إليه .

                                                                                      محمد بن يعقوب الأخرم : سمعت يحيى بن محمد يقول : كان أبي يرجع في المشكلات إلى يحيى بن يحيى ، ويقول : هو إمام فيما بيني وبين الله .

                                                                                      قال أبو الطيب المكفوف : سمعت إسحاق يقول : لم أكتب عن أحد أوثق في نفسي من يحيى بن يحيى ، والفضل بن موسى ، ويحيى أحسن حديثا من ابن المبارك . قلت : ولم ؟ قال : لأن يحيى أخرج من علمه ما كان ينبغي أن يخرجه ، وأمسك ما كان ينبغي أن يمسك عنه .

                                                                                      الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل ذكر يحيى بن يحيى ، فقال : بخ بخ ! ثم ذكر قتيبة ، فأثنى عليه ، ثم قال : إلا أن يحيى بن يحيى شيء آخر .

                                                                                      قال ابن محمش : أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ، حدثنا أبو أحمد الفراء : سمعت الحسين بن منصور يقول : كنا عند أحمد [ ص: 515 ] بن حنبل ، فروى حديثا عن سفيان ، فقلت : خالفك يحيى بن يحيى ، فقال : كيف قال يحيى ؟ فأخبرته ، فضرب على حديثه ، وقال : لا خير فيما خالف فيه يحيى بن يحيى .

                                                                                      قال أبو أحمد الفراء : سمعت يحيى بن يحيى ، وكان إماما وقدوة ونورا للإسلام .

                                                                                      الحاكم : سمعت محمد بن يعقوب الحافظ : سمعت مشايخنا يقولون : لو عاش يحيى بن يحيى سنتين ، لذهب حديثه ، فإنه إذا شك في حديث ، أرسله ، هذا في بدء أمره ، ثم صار إذا شك في حديث تركه ، ثم صار يضرب عليه من كتابه .

                                                                                      ابن أبي حاتم : أخبرنا عبد الله بن أحمد في كتابه : سمعت أبي يذكر يحيى بن يحيى فأثنى عليه خيرا ، وقال : ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثله ، كنا نسميه يحيى الشكاك من كثرة ما كان يشك في الحديث .

                                                                                      قال عبد الله بن محمد بن مسلم : كنت مع أبي عبد الله المروزي ، فقلت : من أدركت من المشايخ على سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : ما أعلم إلا أن يكون يحيى بن يحيى .

                                                                                      قال إبراهيم بن أبي طالب : قرأ علينا إسحاق عن مشايخه أحاديث ، وقال : حدثنا يحيى بن يحيى ، وهو أوثق من حدثتكم اليوم عنه .

                                                                                      قال علي بن الحسن الدارابجردي : سمعت يحيى الحماني يقول : [ ص: 516 ] كنا نعد فقهاء خراسان ثلاثة : عبد الله بن المبارك ، ويحيى بن يحيى ، وآخر .

                                                                                      قال أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب : سمعت الحسين بن منصور

                                                                                      قال : كنا عند أحمد بن حنبل ، فروى حديثا عن سفيان ، فقلت : خالفك يحيى بن يحيى ، فتوقف ، وقال : لا خير فيما يخالف فيه يحيى بن يحيى .

                                                                                      وقال أبو زرعة : سمعت أحمد بن حنبل يقول - وذكر يحيى بن يحيى النيسابوري - فذكر من فضله وإتقانه أمرا عظيما .

                                                                                      محمد بن أحمد بن شذرة الخطيب : سمعت أبا علي أحمد بن عثمان ، سمعت محمد بن عزرة يقول : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي كثيرا ما يقول : وددت أني رأيت يحيى بن يحيى النيسابوري .

                                                                                      فكنت يوما جالسا أكتب ، فوقف علي رجل عليه أثر السفر ، معه عصا وركوة ، فقال : يا بني ، هذه دار أبي عبد الله ؟ قلت : نعم . قال : تراه في البيت ؟ قلت : من أنت ؟ قال : أنا يحيى بن يحيى ، فوثبت مسرورا وأخبرت أبي ، فأطرق مليا ، وقال : أبلغه مني السلام ، وقل : آتاك الله ثواب ما نويت . فرجعت شبه الخجل ، فقال : أستودعك الله يا بني . . ومضى .

                                                                                      فهذه حكاية باطلة ، لم يتم من ذلك شيء ، وإنما طلب عبد الله بعد موت يحيى بن يحيى ، وأيضا فما نعلم أن يحيى دخل بغداد .

                                                                                      الحاكم : سمعت محمد بن حامد ، سمعت أبا محمد المنصوري ، سمعت محمد بن عبد الوهاب ، سمعت الحسين بن منصور يقول : أراد [ ص: 517 ] يحيى بن يحيى الحج ، فاستأذن عبد الله بن طاهر الأمير ، فقال : أنت من الإسلام بالعروة الوثقى ، فلا آمن أن تمتحن ، فتصير إلى مكروه ، فهذا الإذن ، وهذه النصيحة . فقعد .

                                                                                      وبلغنا أن يحيى أوصى بثياب بدنه لأحمد بن حنبل ، فلما قدمت على أحمد ، أخذ منها ثوبا واحدا للبركة ، ورد الباقي ، وقال : إنه ليس تفصيل ثيابه من زي بلدنا .

                                                                                      قال محمد بن عبد الوهاب ، وغيره : مات يحيى بن يحيى في أول ربيع الأول سنة ست وعشرين ومائتين .

                                                                                      وقال أبو عمرو المستملي : سمعت أبا أحمد الفراء يقول : أخبرني زكريا بن يحيى بن يحيى قال : أوصى أبي بثياب جسده لأحمد ، فأتيته بها في منديل ، فنظر إليها ، وقال : ليس هذا من لباسي ، ثم أخذ ثوبا واحدا ، ورد الباقي .

                                                                                      قال محمد بن عبد الوهاب : وسمعت الحسين بن منصور ، سمعت عبد الله بن طاهر الأمير يقول : رأيت في النوم في رمضان كأن كتابا أدلي من السماء ، فقيل لي : هذا الكتاب فيه اسم من غفر له ، فقمت ، فتصفحت فيه ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم . يحيى بن يحيى .

                                                                                      قال الحاكم : سمعت أبي : سمعت أبا عمرو العمروي والي البلد يقول : بينا أنا نائم ذات ليلة على السطح ، إذ رأيت نورا يسطع إلى السماء من قبر في مقبرة الحسين ، كأنه منارة بيضاء ، فدعوت بغلام لي رام ، [ ص: 518 ] فقلت : ارم ذاك القبر الذي يسطع منه النور ، ففعل ، فلما أصبحت ، بكرت بنفسي ، فإذا النشابة في قبر يحيى بن يحيى - رحمة الله عليه .

                                                                                      قال النسائي : ثقة ثبت .

                                                                                      وقال أحمد بن سيار المروزي : يحيى بن يحيى من موالي بني منقر ، كان ثقة ، حسن الوجه ، طويل اللحية ، خيرا ، فاضلا ، صائنا لنفسه .

                                                                                      وقال النسائي أيضا : يحيى بن يحيى النيسابوري الثقة المأمون .

                                                                                      قال عثمان بن سعيد الدارمي : ذهبت يوما أحكي ليحيى بن يحيى بعض كلام الجهمية لأستخرج منه نقضا عليهم ، وفي مجلسه يومئذ حسين بن عيسى البسطامي ، وأحمد بن الحريش القاضي ، ومحمد بن رافع ، وأبو قدامة السرخسي فيما أحسب ، وغيرهم من المشايخ ، فزبرني يحيى بغضب ، وقال : اسكت ، وأنكر على أولئك استعظاما أن أحكي كلامهم ، وإنكارا .

                                                                                      وقال نصر بن زكريا بإسبيجاب سمعت محمد بن يحيى الذهلي : سمعت يحيى بن معين يقول : الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله . فقلت ليحيى : الرجل ينفق ماله ، ويتعب نفسه ، ويجاهد ، فهذا أفضل منه ! ؟ قال : نعم ، بكثير .

                                                                                      [ ص: 519 ] قال إبراهيم بن إسحاق الغسيلي : حدثني صالح بن أحمد بن حنبل : قال لي أبي : ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى .

                                                                                      وقال أبو العباس السراج : سمعت النبيل أبا الطيب المكفوف - وقد جالس يحيى بن يحيى - يقول : قال لي إسحاق بن راهويه يوما : أصبح يحيى بن يحيى إمام أهل الشرق والغرب .

                                                                                      قلت : لم يكن بخراسان بعده مثله إلا إسحاق ، ولا بعد إسحاق مثل الذهلي ، ولا بعد الذهلي كمسلم ، ولا بعد مسلم كمحمد بن نصر المروزي ، ولا بعد ابن نصر كابن خزيمة ، ولا بعده كأبي حامد بن الشرقي ، ولا بعده كأبي بكر الصبغي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية