الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( والقسم الثالث ) الذي فيه التفصيل فيمال في حال ويفتح في أخرى آخرا ، وذلك إذا كان قبل الهاء حرف من أربعة أحرف ، وهي ( أكهر ) فمتى كان قبل حرف من هذه الأربعة ياء ساكنة ، أو كسرة أميلت وإلا فتحت ، هذا مذهب الجمهور ، وهو المختار كما سيأتي فإن فصل بين الكسرة والهاء ساكن لم يمنع الإمالة ; فالهمزة وردت في أحد عشر اسما منها اسمان بعد الياء وهما : ( كهيئة ، و خطيئة ) ، وخمسة بعد الكسرة ، وهي : ( مئة ، و فئة ، و ناشئة ، و سيئة ، و خاطئة ) ، وأربعة سوى ذلك هي : ( النشأة ، و سوأة ، وامرأة ، و براءة ) ، " والكاف " وردت أيضا في خمسة عشر اسما ; واحد بعد الياء ، وهو ( الأيكة ) ، وأربعة بعد الكسرة ، وهي ( ضاحكة ، و مشركة ، والملائكة ، والمؤتفكة ) وستة سوى ما تقدم ، وهي ( بكة ، ودكة ، والشوكة ، و التهلكة ، و مباركة ) والهاء وردت في أربعة أسماء اثنان بعد الكسرة المتصلة ، وهي ( آلهة ، وفاكهة ) وواحد بعد المنفصلة ، وهو ( وجهة ) والآخر بعد الألف ، وهو ( سفاهة ) " والراء " وردت في ثمانية وثمانين اسما ستة بعد الياء ، وهي ( كبيرة ، و كثيرة ، و صغيرة ، و الظهيرة ، و بحيرة ، و بصيرة ) وثلاثون بعد الكسرة المتصلة ، أو المفصولة بالساكن نحو ( الآخرة ، و فنظرة ، و حاضرة ، و كافرة ، والمغفرة ، و عبرة ، و سدرة ، و فطرة ، و مرة ) ، وفي اثنين وخمسين سوى ما تقدم نحو : ( جهرة ، و حسرة ، و كرة ، والعمرة ، والحجارة ، و سفرة ، و بررة ، و ميسرة ، معرة ) .

                                                          ( إذا تقرر ذلك ) فاعلم أن الكسائي اتفق الرواة عنه على الإمالة عند الحروف الخمسة عشر ، وهي التي في القسم الأول مطلقا ، ( واتفقوا ) على الفتح عند الألف من القسم الثاني واتفق جمهورهم على الفتح عند التسعة الباقية من القسم

                                                          [ ص: 85 ] الثاني ، وكذلك عند الأحرف الأربعة في القسم الثالث ما لم يكن بعد ياء ساكنة ، أو كسرة متصلة ، أو مفصولة بساكن ، هذا الذي عليه أكثر الأئمة وجلة أهل الأداء وعمل جماعة القراء ، وهو اختيار الإمام أبي بكر بن مجاهد وابن أبي الشفق والنقاش وابن المنادي ، وأبي طاهر بن أبي هاشم ، وأبي بكر الشذائي وأبي الحسن بن غلبون وأبي محمد مكي وأبي العباس المهدوي وابن سفيان وابن شريح وابن مهران وابن فارس وأبي علي البغدادي وابن شيط وابن سوار وابن الفحام الصقلي ، وصاحب العنوان ، والحافظ أبي العلاء وأبي العز وأبي علي البيطار وأبي إسحاق الطبري ، وغيرهم وإياه أختار ، وبه قرأ صاحب التيسير ، على شيخه ابن غلبون ، وهو اختياره ، واختيار أبي القاسم الشاطبي ، وأكثر المحققين ، وقد استثنى جماعة من هؤلاء : فطرة وهي في الروم ، وذلك أن الكسائي يقف عليه بالهاء على أصله كما سيأتي فيما كتب بالتاء ، واعتدوا بالفاصل بين الكسرة والهاء وإن كان ساكنا ، وذلك بسبب كونه حرف استعلاء وإطباق ، وهذا اختيار أبي طاهر بن أبي هاشم والشذائي وأبي الفتح بن شيط وابن سوار وأبي محمد سبط الخياط وأبي العلاء الحافظ ، وصاحب التجريد ، وابن شريح وأبي الحسن بن فارس ، وذهب سائر القراء إلى الإمالة طردا للقاعدة ، ولم يفرقوا بين ساكن قوي وضعيف ، وهذا اختيار ابن مجاهد وجماعة من أصحابه ، وبه قطع صاحب التيسير ، وصاحب التلخيص ، وصاحب العنوان ، وابن غلبون وابن سفيان والمهدوي والشاطبي ، وغيرهم ، وذكر الوجهين جميعا أبو عمرو الداني في غير التيسير ، وذكر أبو محمد مكي الخلاف فيها عن أصحاب ابن مجاهد ، وهو مذهب أبي الفتح فارس بن أحمد وشيخ أبي الحسن عبد الباقي ، وروى عنه فقال : سألت أبا سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي عن هذا الذي اختاره أبو طاهر فقال : لا وجه له لأن هذه الهاء طرف والإعراب لا يراعى فيه الحرف المستعلى ، ولا غيره ، قال : وفي القرآن : أعطى ، واتقى ، ويرضى لا خلاف في جواز الإمالة فيه ، وفي شبهه فلما أجمعوا على الإمالة لقوة الإمالة في الأطراف في موضع التغيير

                                                          [ ص: 86 ] كانت الهاء في الوقف بمثابة الألف إذا عدمت الألف نحو مكة و فطرة انتهى . والوجهان جيدان صحيحان . وذهب جماعة من العراقيين إلى إجراء الهمزة والهاء مجرى الأحرف العشرة التي هي في القسم الثاني فلم يميلوا عندهما من حيث إنهما من أحرف الحلق أيضا فكان لهما حكم أخواتهما ، وهذا مذهب أبي الحسن بن فارس وأبي طاهر بن سوار وأبي العز القلانسي وأبي الفتح ابن شيط وأبي القاسم بن الفحام وأبي العلاء الهمداني ، وغيرهم إلا أن الهمداني منهم قطع بإمالة الهاء إذا كانت بعد كسرة متصلة نحو : فاكهة . وبالفتح إذا فصل بينهما ساكن نحو وجهه ، وهذا ظاهر عبارة صاحب العنوان من المصريين ، ولبعض أهل الأداء من المصريين ، والمغاربة اختلاف في أحرف القسم الثالث في الأربعة فظاهر عبارة التبصرة إطلاق الإمالة عندها ، وحكاه أيضا في الكافي ، وحكى مكي عن شيخه أبي الطيب الإمالة إذا وقع قبل الهمزة ساكن كسر ما قبله ، أو لم يكسر ، وكذا عند ابن بليمة ، وأطلق الإمالة عند الكافي بغير شرط واعتبر ما قبل الثلاثة الأخر ، وكذا مذهب صاحب العنوان في الهمزة يميلها إذا كان قبلها ساكن واستثنى من الساكن الألف نحو براءة وما ذكرناه أولا هو المختار ، وعليه العمل ، وبه الأخذ - والله أعلم - .

                                                          وذهب آخرون إلى إطلاق الإمالة عند جميع الحروف ، ولم يستثنوا شيئا سوى الألف كما تقدم ، وأجروا حروف الحلق والاستعلاء ، والحنك مجرى باقي الحروف ، ولم يفرقوا بينها ، ولا اشترطوا فيها شرطا ، وهذا مذهب أبي بكر بن الأنباري وابن شنبوذ وابن مقسم وأبي مزاحم الخاقاني وأبي الفتح فارس بن أحمد ، وشيخه أبي الحسن عبد الباقي الخراساني ، وبه قرأ الداني على أبي الفتح المذكور ، وبه قال السيرافي وثعلب والفراء . وذهب جماعة من أهل الأداء إلى الإمالة عن حمزة من روايتيه ، ورووا ذلك عنه كما رووه عن الكسائي ، وروى ذلك عنه أبو القاسم الهذلي في الكامل ، ولم يحك عنه فيه خلافا ، بل جعله ، والكسائي ، سواء ، ورواه أيضا أبو العز القلانسي والحافظ أبو العلاء وأبو طاهر بن سوار ، وغيرهم

                                                          [ ص: 87 ] من طريق النهرواني إلا أن ابن سوار خص به رواية خلف وأبي حمدون عن سليم ، ولم يخص غيره عن حمزة في ذلك رواية ، بل أطلقوا الإمالة لحمزة من جميع رواية ، وكذا رواه أبو مزاحم الخاقاني ، ورواه ابن الأنباري عن إدريس عن خلف ، وحكى ذلك أبو عمرو الداني في جامعه عن حمزة من روايتي خلف وخلاد ، وانفرد الهذلي بالإمالة أيضا عن خلف في اختياره ، وعن الداجوني عن أصحابه عن ابن عامر ، وعن النخاس عن الأزرق عن ورش ، وغيرهم إمالة محضة ، وعن باقي أصحاب نافع وابن عامر وأبي عمرو وأبي جعفر ، بين اللفظين ، ولما حكى الداني عن ابن شنبوذ عن أصحابه في رواية نافع وأبي عمرو إمالة هاء التأنيث قال عقيب ذلك : ولا يعرف أحد من أهل الأداء التي رواها ابن شنبوذ عن نافع وأبي عمرو وأنها بين بين وليست بخالصة .

                                                          ( قلت ) : والذي عليه العمل عند أئمة الأمصار هو الفتح عن جميع القراء إلا في قراءة الكسائي وما ذكر عن حمزة والله تعالى أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية