الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في إسباغ الوضوء

                                                                      97 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما وأعقابهم تلوح فقال ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء

                                                                      التالي السابق


                                                                      باب في إسباغ الوضوء

                                                                      في إتمامه بحيث لا يترك شيء من فرائضه

                                                                      ( رأى قوما ) : وتمام الحديث كما أخرجه مسلم قال : " رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال فانتهينا إليهم " ( وأعقابهم ) : جمع عقب بفتح العين وكسر القاف وبفتح العين وكسرها مع سكون القاف : مؤخر القدم إلى موضع الشراك ( تلوح ) : تظهر يبوستها ويبصر الناظر فيها بياضا لم يصبه الماء وفي رواية مسلم تلوح لم يمسها الماء ( فقال ) : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ويل ) : جاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء ، واختلف في معناه على أقوال أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا : " ويل واد في جهنم " قاله الحافظ ( للأعقاب ) : اللام للعهد ، ويلتحق بها ما يشاركها في ذلك ، معناه : ويل [ ص: 139 ] لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها ، وقيل : إن العقب مخصوص بالعقاب إذا قصر في غسله ( من النار ) : بيان للويل ( أسبغوا الوضوء ) : أي أكملوه وأتموه ولا تتركوا أعضاء الوضوء غير مغسولة ، والمراد بالإسباغ هاهنا إكمال الوضوء ، وإبلاغ الماء كل ظاهر أعضائه وهذا فرض ، والإسباغ الذي هو التثليث سنة ، والإسباغ الذي هو التسييل شرط ، والإسباغ الذي هو إكثار الماء من غير إسراف الماء فضيلة ، وبكل هذا يفسر الإسباغ باختلاف المقامات كذا في اللمعات . وقال شيخ شيخنا العلامة محمد إسحاق المحدث الدهلوي : الإسباغ على ثلاثة أنواع : فرض وهو استيعاب المحل مرة ، وسنة وهو الغسل ثلاثا ، ومستحب وهو الإطالة مع التثليث . انتهى .

                                                                      والحديث استدل به على عدم جواز مسح الرجلين من غير الخفين . قال النووي : وهذه مسألة اختلف الناس فيها على مذاهب ، فذهب جمع من الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما ، ولا يجب المسح مع الغسل ، ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الإجماع انتهى كلامه . قال في التوسط : وفيه نظر ، فقد نقل ابن التين التخيير عن بعض الشافعيين ورأى عكرمة يمسح عليهما ، وثبت عن جماعة يعتد بهم في الإجماع بأسانيد صحيحة كعلي وابن عباس والحسن والشعبي وآخرين . انتهى . وفي فتح الباري : فقد تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى : وأرجلكم عطفا على وامسحوا برءوسكم فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين ، فحكي عن ابن عباس في رواية ضعيفة والثابت عنه خلافه ، وعن عكرمة والشعبي وقتادة وهو قول الشيعة . وعن الحسن البصري الواجب الغسل أو المسح ، وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما . انتهى . قلت : قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو مبين لأمر الله تعالى ، وقد قال في حديث عمرو بن عنبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء ، ثم يغسل قدميه كما أمره الله تعالى . ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس ، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك ، قاله الحافظ في الفتح . وقال الكرماني في شرح البخاري : وفيه رد للشيعة المتمسكين بظاهر قراءة { وأرجلكم } بالجر وما روي عن علي وغيره فقد ثبت عنهم الرجوع . انتهى . وروى سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين ، وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ . والله أعلم . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه واتفق البخاري ومسلم على إخراجه عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمر بنحوه .



                                                                      الخدمات العلمية