الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير ( 47 ) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ( 48 ) )

                                                                                                                                                                                                    لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة حذر منه وأمر بالاستعداد له ، فقال : ( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ) أي : إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون ، وليس له دافع ولا مانع .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير ) أي : ليس لكم حصن تتحصنون فيه ، ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه ، فتغيبون عن بصره ، تبارك وتعالى ، بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته ، فلا ملجأ منه إلا إليه ، ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر . كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ) [ القيامة : 10 - 12 ] .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( فإن أعرضوا ) يعني : المشركين ( فما أرسلناك عليهم حفيظا ) أي : لست عليهم بمصيطر . وقال تعالى : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] ، وقال تعالى : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] وقال هاهنا : ( إن عليك إلا البلاغ ) أي : إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم .

                                                                                                                                                                                                    [ ص: 216 ]

                                                                                                                                                                                                    ثم قال تعالى : ( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ) أي : إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك ، ( وإن تصبهم ) يعني الناس ( سيئة ) أي : جدب ونقمة وبلاء وشدة ، ( فإن الإنسان كفور ) أي : يجحد ما تقدم من النعمة ولا يعرف إلا الساعة الراهنة ، فإن أصابته نعمة أشر وبطر ، وإن أصابته محنة يئس وقنط ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ للنساء ] يا معشر النساء ، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة : ولم يا رسول الله ؟ قال : " لأنكن تكثرن الشكاية ، وتكفرن العشير ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت : ما رأيت منك خيرا قط " وهذا حال أكثر الناس إلا من هداه الله وألهمه رشده ، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فالمؤمن كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية