الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء


                                                                                                                                                                                                    [ ص: 48 ]

                                                                                                                                                                                                    [ ص: 49 ]

                                                                                                                                                                                                    [ ص: 50 ]

                                                                                                                                                                                                    [ ص: 51 ] تفسير سورة ص [ وهي ] مكية .

                                                                                                                                                                                                    بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                    ( ص والقرآن ذي الذكر ( 1 ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( 2 ) كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ( 3 ) )

                                                                                                                                                                                                    أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة " البقرة " بما أغنى عن إعادته هاهنا .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( والقرآن ذي الذكر ) أي : والقرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد ونفع لهم في المعاش والمعاد .

                                                                                                                                                                                                    قال الضحاك في قوله : ( ذي الذكر ) كقوله : ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) ] الأنبياء : 10 [ أي : تذكيركم . وكذا قال قتادة واختاره ابن جرير .

                                                                                                                                                                                                    وقال ابن عباس ، وسعيد بن جبير وإسماعيل بن أبي خالد ، وابن عيينة وأبو حصين وأبو صالح والسدي ) ذي الذكر ) ذي الشرف أي : ذي الشأن والمكانة .

                                                                                                                                                                                                    ولا منافاة بين القولين ، فإنه كتاب شريف مشتمل على التذكير والإعذار والإنذار .

                                                                                                                                                                                                    واختلفوا في جواب هذا القسم فقال بعضهم : هو قوله : ( إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ) ] ص : 14 [ . وقيل قوله : ( إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) ] ص : 64 [ حكاهما ابن جرير وهذا الثاني فيه بعد كبير ، وضعفه ابن جرير .

                                                                                                                                                                                                    وقال قتادة : جوابه : ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) واختاره ابن جرير .

                                                                                                                                                                                                    وقيل : جوابه ما تضمنه سياق السورة بكمالها ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                    ثم حكى ابن جرير عن بعض أهل العلم أنه قال : جوابه " ص " بمعنى : صدق حق والقرآن ذي الذكر .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) أي : إن في هذا القرآن لذكرا لمن يتذكر ، وعبرة لمن يعتبر . وإنما لم ينتفع به الكافرون ؛ لأنهم ) في عزة ) أي : استكبار عنه وحمية ) وشقاق ) أي : مخالفة له ومعاندة ومفارقة .

                                                                                                                                                                                                    ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من [ ص: 52 ] السماء فقال : ( كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) أي : من أمة مكذبة ، ( فنادوا ) أي : حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله . وليس ذلك بمجد عنهم شيئا . كما قال تعالى : ( فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ) ] الأنبياء : 12 [ أي : يهربون ، ( لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ) ] الأنبياء : 13 [

                                                                                                                                                                                                    قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن التميمي قال : سألت ابن عباس عن قول الله : ( فنادوا ولات حين مناص ) قال : ليس بحين نداء ، ولا نزو ولا فرار

                                                                                                                                                                                                    وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ليس بحين مغاث .

                                                                                                                                                                                                    وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس : نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد :


                                                                                                                                                                                                    تذكر ليلى لات حين تذكر

                                                                                                                                                                                                    .

                                                                                                                                                                                                    وقال محمد بن كعب في قوله : ( فنادوا ولات حين مناص ) يقول : نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم ، واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم .

                                                                                                                                                                                                    وقال قتادة : لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء .

                                                                                                                                                                                                    وقال مجاهد : ( فنادوا ولات حين مناص ) ليس بحين فرار ولا إجابة .

                                                                                                                                                                                                    وقد روي نحو هذا عن عكرمة ، وسعيد بن جبير وأبي مالك والضحاك وزيد بن أسلم والحسن وقتادة .

                                                                                                                                                                                                    وعن مالك ، عن زيد بن أسلم : ( ولات حين مناص ) ولا نداء في غير حين النداء .

                                                                                                                                                                                                    وهذه الكلمة وهي " لات " هي " لا " التي للنفي ، زيدت معها " التاء " كما تزاد في " ثم " فيقولون : " ثمت " ، و " رب " فيقولون : " ربت " . وهي مفصولة والوقف عليها . ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره [ ابن جرير ] أنها متصلة بحين : " ولا تحين مناص " . والمشهور الأول . ثم قرأ الجمهور بنصب " حين " تقديره : وليس الحين حين مناص . ومنهم من جوز النصب بها ، وأنشد :


                                                                                                                                                                                                    تذكر حب ليلى لات حينا     وأضحى الشيب قد قطع القرينا



                                                                                                                                                                                                    ومنهم من جوز الجر بها ، وأنشد :


                                                                                                                                                                                                    طلبوا صلحنا ولات أوان     فأجبنا أن ليس حين بقاء



                                                                                                                                                                                                    [ ص: 53 ]

                                                                                                                                                                                                    وأنشد بعضهم أيضا :


                                                                                                                                                                                                    ولات ساعة مندم



                                                                                                                                                                                                    بخفض الساعة ، وأهل اللغة يقولون : النوص : التأخر ، والبوص : التقدم . ولهذا قال تعالى : ( ولات حين مناص ) أي : ليس الحين حين فرار ولا ذهاب .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية