الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 247 ] ثم دخلت سنة خمسين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في المحرم منها مرض معز الدولة بن بويه بانحصار البول ، فقلق من ذلك ، وجمع بين حاجبه سبكتكين ووزيره المهلبي ، وأصلح بينهما ووصاهما بولده بختيار خيرا ، ثم عوفي من ذلك ، فعزم على الرحيل إلى الأهواز ، واعتقد أن ما أصابه من هواء بغداد ومائها ، فأشير عليه بالمقام بها ، وأن يبني بها دارا في أعلاها حيث الهواء أرق والماء أصفى ، فبنى له دارا غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف درهم ، فاحتاج لذلك أن يصادر بعض أصحابه ويقال : أنفق على هذه الدار ألفي ألف دينار ، ومات وهو يبني فيها ، وقد خرب أشياء كثيرة من معالم بغداد في بنائها ، وكان مما خرب فيها المعشوق من سر من رأى ، وقلع الأبواب الحديد التي على مدينة المنصور والرصافة وقصرها ، وحولها إلى داره هذه لا تمت فرحته بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها مات القاضي أبو السائب عتبة بن عبد الله ، وقبضت أملاكه ، وولي بعده القضاء أبو عبد الله الحسن بن أبي الشوارب ، وضمن أن يؤدي في كل سنة إلى معز الدولة مائتي ألف درهم ، فخلع عليه معز الدولة ، وسار ومعه الدبادب والبوقات إلى منزله ، وهو أول من ضمن القضاء ، ولم يأذن له الخليفة المطيع لله [ ص: 248 ] في الحضور عنده ولا في حضور الموكب لأجل ذلك ، ثم ضمن معز الدولة الشرطة وضمن الحسبة أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها سار قفل من أنطاكية يريدون طرسوس وفيهم نائب أنطاكية فثار عليهم الفرنج ، فأخذوهم عن بكرة أبيهم ، فلم يفلت منهم سوى النائب جريحا في مواضع من بدنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها دخل نجا غلام سيف الدولة بلاد الروم ، فقتل وسبى وغنم ، ورجع سالما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي الأمير عبد الملك بن نوح

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب خراسان سقط عن فرسه ، فمات ، فقام بالأمر من بعده أخوه منصور بن نوح الساماني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي الناصر لدين الله عبد الرحمن الأموي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب الأندلس ، وكانت خلافته خمسين سنة وستة أشهر ، وله من العمر يوم مات ثلاث وسبعون سنة ، وترك أحد عشر ولدا ، وكان أبيض حسن الوجه ، عظيم الجسم ، طويل الظهر ، قصير الساقين ، وهو أول من تلقب بأمير المؤمنين من أولاد الأمويين الداخلين إلى المغرب ، وذلك حين بلغه ضعف الخلفاء بالعراق ، وتغلب الفاطميين ببلاد المغرب ، فتلقب بأمير المؤمنين قبل موته بثلاث وعشرين سنة . ولما توفي قام [ ص: 249 ] بالأمر من بعده ولده الحكم ، وتلقب بالمستنصر ، ومن جملة أولاد الناصر عبد الله ، وكان شافعي المذهب ناسكا شاعرا ، ولا يعرف في الخلفاء أطول مدة من الناصر الأموي - فإنه مكث خمسين سنة - سوى المستنصر بن الحاكم الفاطمي صاحب مصر ، فإنه مكث ستين سنة ، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية